الخروج الأكمل إلى النهار قصة قصيرة لـمروة مراد
آخر تحديث GMT01:47:48
 العرب اليوم -

"الخروج الأكمل إلى النهار" قصة قصيرة لـ"مروة مراد"

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - "الخروج الأكمل إلى النهار" قصة قصيرة لـ"مروة مراد"

"الخروج الأكمل إلى النهار" قصة قصيرة لـ"مروة مرادط
القاهرة ـ العرب اليوم

"الخواء الذي بداخلي عجز عن أن يملأه شيء، كل ما يأتيني من علمٍ يهوى في بئرٍ سحيقٍ لم أعد أرى له قرارًا ولا أُدرك لامتلائه معنى. أنا راحلٌ عن هذه القرية لا محال، مرت على هنا سنواتٌ كالبرق وسنواتٌ أبطأ من أنفاس الضجر..لا أعرف كم من الوقت بقي لي، لكني أعرف أن ما بقي ليس بكافٍ لأتمم ما نويتُ أن أتمم، وإن تضاعف عمري لا أظن أني سأتمم ما تمنيتُ أن أتمم.. لا أحدٌ يسمعني، أنا النبي الخطأ، نزل بالرسالةِ الخطأ،للقومِ الخطأ، في الزمنِ الخطأ..كل هذا الركام، أعجز عن أن أزيله وحدي، أنا ناقلُ البحرَ بالمنخلِ، حافرُ البئرَ بالإبرةِ، أنا الأحمقُ الذي ظن أنه المُخَلِّصُ، في قرية لا تنتظر الخلاص.. أنا لست منهم، وإن كنت منهم، فأنا لست معهم، وإن كنت معهم بجسدي، فأنا مفارقٌ لهم بعقلي منذ سنوات.. كنت أبالي لوقتٍ قريبٍ أن أخرج من هذه البلدةِ بسلام، لكن السلام فقد معناه لدى، أنا صرت راضيًا بأي خروجٍ، سالمًا كان أو مهلكًا، أي خروجٍ من هنا سأعتبره خروجٌإلى النهار."

كان فهمي حاملًا لكتابِ جده بميلٍ ليقرأ تلك الرسالة القصيرة التي تركها جده للزمن،فكتبها بخطٍ صغيرٍ مهتزٍ على طرفِ الصفحةِ الأخيرة من كتابه الضخم، عدل فهمي كتاب جده المتهالك برفقٍ، خِشيةَ أن يسقط من يده هاويًا من فوقالشجرة، تلك الجميزة التي تعود منذ صغر سنه الصعود إليها، والنوم بين أغصانها الحانية، والأكل من جود ثمرها المنبثق من خشب أغصانها كحبات الكهرمان في عِقْدٍ يزين جِيدَ جدته الحبيبة، ذلك العِقدُ الذي كان آخرَ هديةً من جده لها قبل الرحيل، فآثرت أن لايفارق عنقهاللأبد..تعود فهمي على مجالسة الشجرة،حتى أصبحت هي ومثيلتها المقابلة لها بمثابة أمه وخالته، الجميزتانتقفان وحيدتان في طرفِ الجهةِ الشرقية من الأرضِ التي كانت يومًاما ملكًالجده، ثم اهترأت تحت وطأة جشع ورثته. لم يدرك سر زراعة جده لهاتين الشجرتين حتى قرأ في كتابه ترنيمةً كان قد نقلها عن كتابٍمصريٍ قديم يحكي تفاصيل رحلةِ الموتى في العالمِ الآخر، وكانت الترنيمة تقول:

(أنا أعرف هاتين الجميزتين السماويتين اللتين يشرق من بينهما رع، وهما جميزتان ذواتا لون تركوازى تنموان في الفضاء عند بوابة سيد الشرق)

فهم فهمي بالقراءة في كتاب جده أن الجميزة هي شجرة المنتهى في عين جده الأكبر المصري القديم، وأنها آخر محطات درب الخروج من عالم الموتى إلى عالم النهار، حيث جنة المأوى وأبدية الحيوات، وأن الأم حتحورتسكنها فهي سيدة الجميزة التي تطل من بينأغصانها الوافرة لتسقي الخارجين للنهار شربةً لا يظمؤوا بعدها..فأدرك بذلك أن لهدأته في حضن فروعها تاريخٌ قديمٌ وأصلٌ ضاربٌ في جذوره، وأنه ليس أولَ من هدأ ولا آخرَ من سكن ههنا، بل هو عابرٌ كبقية العابرين من الظلمة إلى النور..

أغلق فهمي الكتاب وعاد بظهره للوراء شاخصًا في عنوانه الذي لم يتوقف عن التفكر فيه منذ أن وقع الكتابُ في يديه: (كشف الذرائع في متشابه النسائك والشرائع) لكاتبه الشيخ الأكمل فضل الله المصري، إمام مسجد قرية وادي الجِهِيلة مركز الوِهِيمَةالغربية. ويلاحظ فهمي، كما يلاحظ كل مرة، أن بعد وظيفة جده كُتب بخط صغير مخالف للخط الأصلي كلمة (سابقًا)، ويتساءل كما يتساءل كل مرة، يا تُرى جده هو من أقر بأنه الإمام السابق، أم أن أحدهم أراد نفي شبهة أن يكونمن كتب هذا الكتاب هو إمام مسجد وادي الجِهِيلة.

فتح فهمي الكتاب وكأنه يفتحه للمرة الأولى لتُفاجِئه عبارةُ جده،والتي لا تلبث أن تفاجئه كل مرةبنفس القوة: "بفحصِ ومقارنةِ ما أُدي إلينا، وما وقع بين يدينا من النسائكِ والشرائع، وجدنا أن المتشابه كان ومازال وسيظل هو الإنسان،وذلك لتشابه الإنسان فيشغفه بعلل الكون من حوله، وذلك تماما كما أن النحل هو المتشابه لتسيير كل ممالك النحل في مختلف بقاع الأرضبنفس النظام والتدبر والكيفية. فكما أن غريزة النحل هي إيجاد الرحيق وصنع العسل،فكانت ومازالت غريزة الإنسان هي إيجاد العلل وضع الملل والنِحَل"
وكتب جده تحت هذه العبارة بخط أدق:

"وخير البِدء أن نبدأ بأقدم ما وصل إلينا من نصوصٍ، وهو نصٌ من كتاب الموتى، وقال لي صاحب الحانوت العتيق الذي ابتعتهمنه في آخر سفراتيللإسكندرية، أن كتاب الموتىسُمي بذلك مجازًا، وأن المصري القديم لم يرَ الموتَ إلا وسيلةًلبلوغِ عالمًا آخرًا مفعمًا بالنور والجمال والكمال والحكمة، الموت عند المصري القديم ليس إلا طورًا برزخيًا يُثبتُ المتوفى فيه صلاحه في الحياة الدنيا، ثم يخرجُبعدهمنالليل إلى نهار الحياة الأبدية، والتي تتشابه كل التشابه مع حياته الدنيا وكأنه لم يكن يسعى لشيء سوى ديمومة حياته على أرض مصر كما عرفها.. وبما أن هذا المعنى قد وجد في نفسي قبولًا، فلنبدأ بهذا النص من كتاب الخروج إلى النهار:

(أيتها المادة المقدسة التي أتت منها إلى الوجود كل أشكال الحياة.. لقد بَعثتِ الكلمة والأرض كانيغمرها الصمت. أيها الواحد الوحيد الذي عاش في السماء قبل البدء، قبل أن تُصنع الأرض والجبال.. أيها الرب الوحيد.. صانع الأشياء)"

أغمض عينيه فهمي ليتلقى هبات النعاس وهو يقول في نفسه: "يا جدي، لو كنت تكلمت في كتابك عن سد الذرائع عوضًا عن كشفها، لكانوا احتفوا بك، ولا كان ما كان."

كتب الشيخ الأكمل عن الكشفِ وغاب عنه أن وادي الجِهِيلَة لم يتعود على الكشفِ أو حتى يعرف له معنى أو هدف، هو وادي تحوطه التلال الثوابت الرواسي من كل جانب، يفيض الناس منه وإليه عن طريقِعدة مضايق شحيحة بين التلال، فهو أشبه بالحفرة التي أطلقوا عليها اسم الوادي تجميلًا لوضعها الوعر.ولم تعترف الدولة بوجود قريةٌ في وادي الجِهِيلَةإلا من وقت قريب نسبيًا، ولولا وفرة العيون التي انبثقت منه فمكنت أهله من زراعة، لما قامت له قائمة أو كان له وجودًا على خارطة المعمورة،وقرية وادي الجِهِيلَة على وضعها المتردي في كل الأحيان هي واحةُ الاستقرارِ في العراءِ المحيطِ بها. غفل الشيخ الأكمل عن أن الكشف ينتج عنه فوران والفوران يأتي بالقابع في القاع للسطح، فيُحدث المزيدمن الكشف، وبما أنه ليس في ذلك أي استقرار، والناس في الجِهِيلَة لا تجنح إلا للاستقرار،تحول الشيخ الأكمل في نظر أهل القرية للشيخ الأنقص..

أمضى الشيخ الأكمل في كتابة كتابه سنوات طوال، قالوا فيها أنه أهمل الفتوى والإمامة، غير أن هذا ما ظنه أهل القرية ولكن الحقيقة كانت خلاف الظنون. كان الشيخ الأكمل لتبحره في العلم، إذا طلب أحدهم منه فتوى، يخبره كل ما يعرف عن الأمر ويترك للسائل القرار وحرية الاختيار بعد التفكر فيما عرض عليه من أسانيد وأقاويل وأخبار، وفشل أهل القرية في فهم منهج الشيخ في الفتوى، فكان الواحد منهم يخرج من مجلسه ضاربًا كفًا بكفٍ على الحال المذري الذي وصل إليه الشيخ، الذي أصبح قابلًا لكل صورة وكل قول وكل خبر غير مرجح لواحد على الآخر، وإذا رجح يرجع بأسانيد تاريخية وفلسفية وعلمية لا قبل للناس بها، فيضيع السائل بين ماهية الحرام وماهية الحلال.. وفي مرة من المرات دخل عليه أحد السائلين والحنق يملأه وأصر على أنه يرغب في إجابةٍ واحدةٍ محددةٍ واضحة، وواجه الشيخ الأكمل بأن أهل القرية حائرين في مسائلهم وأنهم لا يعرفون للخيار أو اتخاذ القرار معنى أو سبيل، فرد عليه الشيخ بهدوء وأوضح لهأنه لو قال لهم أنالسبيلَ للحقيقةِ واحدٌ يكون قد كذب، لأن السُبل، كما عرف، على عدد أنفاس البشر، وأنه يجتهد في توصيل الحقيقة كما وصلته وأهل القرية يطلبون منه الكذب، وليس هناك مسألة بسيطة ومسألة كبيرة، وكذبة بيضاء وكذبة سوداء، فكل ما يسأل عنه الناس من أمور، حتى وإن بدت بسيطة، فهي مهمة، وكل ما يقوله لهم يجب أن يصل للجميع على حد سواء بكامل الصدق والأمانة في القول والنقل.

وأكمل حديثه قائلًا: "فإن المنطوق به في الخفية لا يذهب سدى والفم الكاذب يقتل النفس"،وعندما سأله السائل عن مصدر تلكالعبارة، رد عليه الشيخ الأكمل بأنها استشهادٌ من التوراة،فما إن سمع السائل هذا حتى خرجمن المجلس يصيح في المارة: "يا أهل الجِهِيلَة، اعلموا أن شيخكم قد خَرَق، يستشهد بالمُحرف من الكتب وبأقوال لا تشيع إلا الكفر والمَرَق!" فخرج الشيخ من مجلسه وقائلًا للصائح وهو يبتسم: "اسمه المُروق يا بُني، ليس المرق، ولكن لا بأس لعلك جائعٌ، فإنصح هذا تعالى لأُطعمك."

بُعد الشيخ الأكمل عن الإمامة وعُينفي محله الشيخ مُنجز عبد الله الجبري، وفرح به الناس فرحًا كبيرًا إذ أنه لبى أحلامهم في الفتوى الموجزة المنجزة الواجزة، جبرية الطابع، فرفع بذلك عن كأهل المواطن الجهيلي حمل المعرفة أو الاختيار. وأسف الشيخ الأكمل، لكنه قال في نفسه أنه أراح واستراح، وتفرغ لقراءاته وكتاباته. وفي نفس الآونة وُلد حفيدٌ له فأسماه فهمي ووُلد في وقت ليس بطويل بعده حفيدٌ آخر فأسماه صبري، وتمنى أن يحيى حتى يأتيه حفيدٌ ثالثٌ فيسميه حلمي، فكان الفهم والصبر والحلم هم بمثابة الوقود الذي على طاقته ظل الشيخ يعمل ويبتسم.

وفي موسمِ الحصادِوبعد عامين من ترك الشيخ للإمامة،سمع خارج منزله ضجةً غير اعتيادية،وعند خروجه للاستفسار عن الأمر سمع أنقناية شرب الخيل والحمير قد أَسِن ماؤها واجتاح المرض دواب القرية فخروا بين عليل وصريع ومحتضر، وبذلكتوقفت العربات التي كانت توصل زكائب القمح للطاحونة القابعة في نزلةالشقايقة خارج حدود القرية، مما وضع أهل القرية في مأزق كبير. استمع الشيخ لشكواهم وهو متعجب من حالهم البائس وقد اكتست ملامحه بالضجر، ثم رد على نجواهم بسؤال فاجأهم: "أما آن لكم الأوان أن تكفوا عن اعتقادكم في الترهاتوالخرافات، وتعيدوا تشغيل طاحونة الجهيلةالتي قد أغلقتموها منذ أعوام كثر؟!" هاجت معظم الناس على هياجها الأول، وارتفعت حناجرهم برفض الفكرة الشعواء،ووافق القليل من السامعين على اقتراح الشيخ لحل الأزمة وتفادي استغلال صاحب طاحونة نزلة الشقايقة.

ولكن بقيت المعضلة شاخصة، إذ أن القرية حارت في إيجاد من يتجرأ على فتح طاحونة الجهيلة بعدما ظهرت فيها للواد سعدون الجنيه ذات الأربع القرون، وكان ذلك قبل هذا اليوم من عشرة أعوام بائدة، واختفى سعدون منذ الواقعة،ولكنه لم يختفي إلا بعد أناستنفد قصته مع الجنيه اللولبية في كل مجالس القريةحكيًا وتفصيلًا وتحليلًا، فخُلقت بذلك أسطورة الجنيه والطاحونة، وأصبح مجرد الاقتراب من الطاحونة من محظورات المعتقد الجهيلي.وعلى تلك الخلفية، لم يترك خوف الناس من المجهول للشيخ الأكمل خيارًا، فدون تردد حمل على ظهره زكيبتين من القمح وخمسة وستين عامًا من العمر، تركت على جسده النحيل أثر الوهن، واصطف الناس صفين عن يمينه وعن يساره ينظرون إليه في تردد وحيرة وترقبوخوف، زحف الشيخ الأكمل حاملًا أمله وحلمه على ظهره، واعدًا نفسه بأنه لو وصل سيكون قد نجح في وضع حجر الأساس لما تمنى، كل خطوة كان يخطوها كانت تهدم جزءًا من ركام جهل الجهيلة، شعر أنه في مستهل خطوات درب الخروج إلى النهار، فكان ظل الزكائب على ظهره وكأنه ظل الجميزة التي تعود الجلوسللتأمل تحتها، ونقاط العرق المتصببة على جبهته وكأنها الأم الحانية حتحور قد طلت عليه من الشجرة لتسقيه قطرات الأمل،مبشرةً بقربِ نوالِحلمهالنفيس المنتظر.. صدح فجأة صوت الشيخ الجبري مناديًا لصلاة الظهر، فواصل الشيخ الأكمل زحفه وسط تمتمات وهمهماتالمصطفين بالأدعية والأذكار، وعندما وصل الشيخ الجبري لقوله (حي على فلا.....) انقطع صوته فجأة،فقال الناس في صوت واحد "الفلاح"،ثم صمتوا جميعًا وانتظروا لبضع ثوانعسى أن يكون صوت الشيخ قد تحشرجوسيستكمل الأذان وفلم يستكمله، هرع الجمع للمسجد، ليجدوا الشيخ الجبري، ملقى جثة هامدة أمام باب المسجد على وجهه، وقد جرحت جبهته جرحًا غائرًا،فغطى لحيته البيضاء ووجه بالدماء، قال يومها قائلٌ أن الشيخ لابد وأنه قد سقط من المئذنة.كان المشهد مهولًافي أعين أهل قرية تعودت على السلام والاستقرار وهدوء الأحوال، ولم يمر وقتٌ طويلٌ حتى اتفقت الجهيلة على المتهم،وكان شاخصًا أمامهم في إجهادٍ وذهول، هو نذير الشؤم،مهيج الجن والأفكارالدخيلة،هو قاتل الشيخ الجبري بتهوره واستخفافه بالثوابت والمعلوم والمكتسب عبر السنوات عن علم العفاريت والشياطين والجنيات.

لملمت القرية حزنها وفجيعتها في صمت، ولم يتهم أحدالشيخ الأكمل رسميًا، وإنما اتهموه بنظراتهم المحتقِرة، وحُلت أزمة نقل القمح بأن حمل كل رجل على ظهره زكائبه، ومن لا يستطيع الحمل استأجر من يحمل عنهحتى طاحونة نزلة الشقايقة القريبة التي بدت لهم من نوء الحمل بعيدة. ولم تلبث بضعة أيام أن تمر حتى اختفى الشيخ الأكمل بلا رجعة، وترحم عليه البعض ولعنه وكسر وراءه الجرار البعض، وعسعس البعض الآخرمن المتطفلين لمعرفة من زوجته أين ذهب أو أين كتبه حتى يحرقها إمام المسجد الجديد الشيخ عبد المهيمن الجنزاري، لكنهاكانت دائما ما تجيبهم بالدمع حتى أنهم ظنوا أنها لحقت بزوجها في الخرف..

مرت أعوام تالية،كبر فيها فهمي وكَثُرت أسئلته عن جده، وألح كثيرًا على جدته التي ما كانت تعرف شيئًا عن أفكار زوجها،فأعطته الكتاب على أن لا يبلغ أحدًا، وما كانت تدري أن ما في طيات هذا الكتاب إن عُرف وفُهم،يصعب أنيُخفى على أحد، وبدأت تسمع الجدة عن فهمي كلامًا متناثرًامن أهل القرية، فبعض الشباب قالوا عنه أنه أصبح بين ليلة وضحاها حكيمًا عليمًا ببواطن الأمور، والبعض نعته بالجنون والكفر، ومن هؤلاء من جزم أنه يرى نورًا يتحرك فوق رأسه كلما دخل عليهم مجلسًا، وسخر الآخرون من تلك الفكرة وقالوا أنها ليست إلا إشاعة أطلقها أحدهم فانتشرت وهي ليست إلاوهم وخيال،وشاعت الأقاويل الفاحشة عنه، فمن بعض ما قيل أنه يعقد مجالسًا للجن كل ليلة من العشاء وحتى الفجر، وذلك تحت الجميزتين حيث يقضي لياليه الحمراء مع صنوف الجن في سُكر وعربدة، وفي خضم تلك التخاريف والإشاعاتقد يكون أخطر ما قيل عنه وأنه عزم على إعادة محاولة فتح الطاحونة..

ورغم اعتزال فهمي الحياة وجنوحه للجميزتين معظم الوقت إلا أنه أصبح حديث الساعة وأصبح حل معضلته أمرًاضا غطًا على الشيخ الجنزاري شعبيًا،وفي يوم من أيام الجمعة وبعد خطبة عصماء من الشيخ الجنزاري في أهمية التسامح، وقف أحد المصلين زاعقًا أنه لا يستطيع التسامح مع من يهدد ثوابته العقائدية، فهاج الحاضرون لمعرفتهم أنه لا يقصد أحدًا غير فهمي، فقام الحكيم فيهم وبوجهٍ بشوشٍوقال أن فهمي ليس له ذنب وأن الجان قد مسته كما مس جده من قبله،ورجح أنه قد يكون مسه جن يهودي لأنه كثيرٌ ما يهذي بنصوص من التوراة والتلمود البابلي، فقام آخر وكان أحكم وأدرى من الأول وأقسم أنه قد مسه جن عبقري من وادي عبقر يملي عليه ويلقنهكَلَمٌ ظاهره الحكمة وباطنه الكفر، فيُفتنالشباب بأقواله الغامضة التي من غموضها تبدو أحيانا كالشعر وأحيانا كالدين وأحيانا كالعلم، وتساءلكيف لشاب صغير أن يدري بكل هذا دون أن يكون قد خاوى من يلقنه.

هدَّأ الشيخ الجنزاري من روع الحاضرين وبدأ في شرح حالة فهمي المستعصية تفصيلًا: "أما ما أصاب فهمي، فلا هو جنٌ يهودي ولا جنٌ عبقري، بل هوجن قمري كافر، مسه في اليافوخ أي تاج الرأس،وكان ذلك لعكوفه على قراءة تعاويذ جده الذي كان يستحضر بها الجان ليفتح له عوالم الغيب والبيان، فقد وصلنا أنجده كان قد خاوىالمارد ناصور، وعُرف عن ناصور شدة البطش بمن يخالفه من السحرة، فأغضبه الشيخ الأكمل بمحاولة فك طلسم الطاحونة، حيث تنزوي معشوقة ناصور، نائلة أم الشعور المائلة،التي قال فيها الواد سعدون أنها كان لها أربع قرون"، فقاطعه أحد الجالسين يسأل إن كان لنائلة أربعة قرونٌ حقًا، فزجره الشيخ بقوله:"لا تكثر من السؤال، إنما أهلك الذين من قبلنا كثرة السؤال." وأكمل كلامه بقوله:"وكما علمت منكم فهو يظهر فوق رأسه نورٌيخيل لبعضكم أنه يراه في المساء، وسأجتهد في قولي أن هذا النور إن هو دليلٌ على أن مس فهمي من الجن القمري، كما ذكرت في بدء تبياني، وأن هذا النور يراه البعض فيخشاه ويحذره ولا يراه الآخرون،هو مثله كمثل كلمة كافر التي سيراها كل مؤمن كاتب أو غير كاتب بين عيني المسيح الدجال" وارتفع الشيخ الجنزاري بنبرة صوته الخطابية وهو يقول: "فمن رأى نور فهمي واستعاذ بالله، فهنيئًا عليه صلاح القلب وثبات الإيمان، فانظروا إلى قلوبكم أيكم أتقى، واستعيذوا بالله من وسوسات الشياطين، ولا تتبعوا فهمي أو من على شاكلة فهمي وإن زين أعمالكم،وعلى الأخص فتح الطاحونة،فمثله يضر ولا ينفع،يقول ولا يصنع، تدمع العين من خشية الله وعينه لا تدمع." قالها وأجهش الشيخ الجنزاري بالبكاء، فصاح كل الحاضرين بعبارات متهافتة متداخلة فلم يسمع أحدٌ منهم الآخر، ولم يفهم أحدٌ منهم الآخر..

كان فهمي نائمًا فوق الشجرة كعادته وقد أفَلَت الشمس واتشحت السماء بالسواد، عندما سمع صوت صبري ابن عمه يناديه من بعيد،فنظر بعينين قد كسرهم النعاس لكرش صبري المهيب يهتز ويسبقه بخطوتين،وقد أنار وجه الطفولي المحبب الذي أبى أن يكبر بالتوازي مع تضخم جسمه عبر الأعوام..بدى صبري له واضحًا من بعيد على ضوء الفانوس الذي كان يحمله بيده.. ففكر فهمي، وهو يطالعه يقترب، أن صبري قد يكون آخر ما يربطه بهذا المكان، فهو صبره على من لا يفهمه ومن لن يفهمه ومن لا يريد أن يفهمه. وصبري نفسه صابر على الحياة، وكأنه الصبر ذاته، هو يستمعللكل ويطأطأ للكل، ويظنون أنه لا يفهم، لأنه لا يعارض كثيرًا،ولكنهعلى دراية تامة بكل شيء،وصامتٌ لأنه متفهم لكل شيء، فهو خبير في إيجاد للناس الأعذار، وحكيم في تبرير أفعال الغير حتى أشنعها، ولذلكقد يكون صبري هو النموذجالخام للمعانيالإنسانية..حتى سمنته ليست نابعة إلا منأن أمه قالت له في صغره أنه لو ترك لُقيمات في طبقه، تجري وراءه تلك اللقيمات يوم القيامة، وتعاقبه لأنه ترك النعمة الإلهية تلقى في القمامة، فكان يفرغ صبري من طبقه، ثم يأكل ما تبقى في أطباق أخوته الخمسة لخوفه عليهم من عذاب يوم القيامة، ثم كبر وعرف أن ليس للُقيمات أقدام، وأن للإنسان قدرة مميزة على ارتكابوبقلب بارد ما هوأبشع بكثير من رمي لقيمات في القمامة، لكن أكل فضلة الغير أصبحت عنده عادة، وأحيانا يوفر للعائلة بأن يستكفي بأكل فضلة أخوته، الذين يملؤون أطبقاهم بجشع تأبى أن تتحمله بطونهم.

فصبري يصبر دون إدراكه بأنه يصبر، وقد تكون الأسماء التي يختارها أهالينا لنا هي أول محدد لطبائعنا.. وصل صبري وظل فهمي شاخصًا فيه متسائلًا عنما ساقه إليه ولما العجلة. بدأ صبري بالكلام المتقطع وهو لاهثًا: "تعالى معايا يا فهمي، انزل بس، شكة ابرة ونخلص من النزناز." فرد فهمي:"نزن ازاي هوا برة ايه؟!"

“هفهمك في الطريق، التقية يا صاحبي، مش هينفعمعاهم غير التقية، أنت بس طاوعهم وكله هيبقى تمام."

وصل الشابان لبيت فهمي فوجدا جدة فهمي واقفة على مقربة من باب البيت مشعثة الشعر وحافية القدمين،تقول له من بين دموع مذعورة: "اهرب يا ولدي، ناويينلك على الشر، اهرب يا ولدي" رد صبري في ثقة: "متخافيش يا چدة ولا تشيلي الهم، أني متفج معاهم وعامل حسابي، كله هيمُر بإذن الله التعالى."

دخل فهمي فوجد البيت في ظلام دامس، وفي المضفية المظلمة أمه جالسة بجانبها أبيه وعلى الكرسي المجاور لهما جلس الشيخ الجنزاري، فبدأ فهمي بالكلام:"خير يا سيدنا الشيخ!" فرد الشيخ بصوت قصد أن يكون رخيمًا"خير يابني، أنا ما بحضرش إلا في الخير"، قال ذلك وجر فهمي مباغتًا بشدة من يده، فخبطه مساعد الشيخ الذي كان يقف في الظلام على ساقه من الخلف بعصا غليظة كان يحملها في يده، مما أجبر فهمي على الميل بظهره ناحية الشيخ، وبحركة خبير مسك الشيخ الجنزاري بفم فهمي وتفل فيه ثلاث مرات وضرب على صدره ثلاث مرات،قائلًا بلغة آمره وصوت جهوري "أخرج يا عدو الله!".استعاد فهمي وعيه من هول تقزز المفاجأة على صوت صبري يقول:"جرى إيه يا شيخ جنزاري أنت مفكر حالك النبي ولا إيه!" فرد الشيخ: " أنا عبد مؤمن وتقيوريقي طاهر يطرد الشياطين."لكمه فهمي في وجهه وهو ينهي عبارته السابقة، فقيد يديه مساعد الشيخ من الخلفلحين تناول الشيخ لعصاه وهو يقول:"أنت بتعافريا ابن الهرمة؟!مبدهاشبقى." فنطقت أم فهمي بأول اعتراض من بين دموعها: " وأنا ذنبي ايه يا سيدنا الشيخ عشان تشتمني؟!"فرد الشيخ وهو ينظر إليها بحنو: "حاش لله يا ست فِتنة، ده أنا بكلم الجني إلى لابسه"

فردت أم فهمي مستنكرة أكثر من ذي قبل: "يا شيخ جنزاري أنا اسمي فُتنة مش فِتنة!"

هم الشيخ الجنزاري بالرد والشرح حين قاطعه صبري:"يا شيخ متفقناش على كدة، إحنا قلنا رقية شرعية، خلي الجدع إلى معاك يسيب فهمي، ثم إن الضرب لا يجوز!" زجر الشيخ في وجهه بعينينيخرج منهماالشرروقال من بين أسنانه المكزوزة: "مبقاش إلا أنت ياهبلو هتْعَدل عليا، شيخ الإسلام ابن تيمية ذات نفسه قال (ويكون قد ضُرب بعصا قوية على رجليه نحو ثلاثمائة، أو أربعمائة ضربة وأكثر وأقل بحيث لو كان على الإنسي لقتله، والضرب إنما يقع على الجني ولا يحس به المصروع) افتي في دي كمان بقىيا خويا، اللهم عافنا مما ابتليت به غيرنا، صحيح يا ولاد صدق إلى قال (قبل الساعة سنون خداعة ينطق فيهن الرويبضة)"

"أنت هتضربه ربعميت ضربة يا شيخ جنزاري؟!!" رد الشيخ "وأضربه خمسميت مرة لحد ما يخرج إلى عليه وينطفي النور إلى فوق يافوخه"

"يافوخه إيه ونور إيه يا شيخ جنزاري، سيب الجدع ألا يفطس في إيدك"

بدا لصبري أن الشيخ قد صمم على هدفه، وبدأ ضرب فهمي ضربًا مبرحًا وهو ويقرأ آيات خروج الجن، وقف صبري حائرًا وعاجزًا بين لطمات أمٍ تنوح على ولدها وخنوع أبٍ قد سلم لسلطة الشيخ الآمرة وصراخ ابن عمه تحت وطأة العصا، ففكر في يأس أن يعد الضربات لعله لو وصل للخمسين قد يقنع الشيخ بالتوقف، فقال لنفسه: "نعم رقم خمسة رقم مبارك، سأصبر للخمسين..." توقف الشيخ للحظة عن الضرب، وقال مستبشرا: "أيوة كدة الظاهر إنه بدأ يرحل، أنا شايف النور بيخف، يا معين أعنا" ورفع عصاه عاليًا ليهوي بها على فهمي،فكان ذلك حينأتى شعاعٌمن الشباك الخلفي للغرفة المظلمة، وُجه على عينينالشيخ الجنزاريمباشرةفأعماهوأجبره على التوقف التام، خفض الشيخ عصاهونظر لمصدر الضوء وصاح: "امشي ياض من هنا" فرد عليه صوت طفولي لا يجاوز العشر أعوام إلا بقليل: "أنا مش واد أنا حلمي، وإلي بتضربه ده عمي فهمي، سيب عمي فهمي يا شيخ جنزاري"

"ياض شيل الكشاف ده من وشي، وامشي من هنا، ده الجني كان خلاص خارج، وبعدين في لعب العيال ده، عمك ملبوس ومجنون، أنت صغير مش فاهم حاجة."
رد حلمي على الشيخ الجنزاري دون أن يحرك الكشاف عن وجهه بلهجة آمرة: "سيب عمي يا شيخ جنزاري، فهمي مش مجنون أنتو المجانين."
تردد صدى صوت حلمي في أذن الشيخ الجنزاري وكأن عشرات الأطفال قد رددوا وراءه ما قال للتو:
"فهمي مش مجنووو-وون،أنتواالمجااااا-نين" ثم تكرر الهتاف ثانيًا وثالثًاورابعًا، في ذهول كل من كان في الغرفة وأولهم فهمي، الذي لم يدرك يومًا أن حلمي، الولد الصغير،قد فهم وفرغ صبره وقرر اعتراض، ولدهشة من بالغرفة بدأت كرات بيضاء صغيرة تُقذف على نوافذ البيت، شعر الشيخبخطورة الموقف،وذلك لدرايته أن لهؤلاء الأطفال قوة لم تُؤتَ للرجالٍ في التشريد وفضح أكبر الكبار والهبوط به من الصفوة لغياهب فضلاتسوق الرجال، قرر أن يتشجع ويخرج، طالبًا من مساعده أن يضع يده على الزناد لإطلاق بعض الطلقات في الهواءلتفريق الجمع وذلك إذا احتدمت الأمور أو رميه أحدهم بالحجارة. فتح الشيخ الباب فوجد جمهورًا كبيرًا قد تجمهر خارج البيت، أطفالٌ من عينة حلمي وبعض الشباب خرج صبري خلسةٌ وأتى بهم وجمهور الشيخ المعتادالذي تجمهر لرؤية قدرة الشيخ الخارقة في طرد الجن والعفاريت.

فكر الشيخ في أن يلقي عليهم خطبة عصماء يحفظ بها ماء وجهه، يقول فيها أن الجن قد رحل عن فهمي مكرمة لمقامه الرفيع كشيخ جليل، وأن الحال قد استتب وقضي الأمر، وأنه لم يعد هناك داعي للتجمهر، وعلى الكل أن يعود لبيته.وبمجرد ما فتح الشيخ فمه للكلام، قذفه أحد الأطفال ببراعة رامي محترفبكرة بيضاء تمركزت في فمه المفتوح فأوقفتكلامه في حلقه، ضحك الناس على خلاف مساعيهم، وتفرد الأطفال بالنصيب الأكبر من الضحك والقهقهة..نزع الشيخ الكرة البيضاء من فمه ليتفاجأ بأنها ليست كرة وإنما ورقةمكرمشة ومكورة وأن الأرض ناحية تجمهر الأطفال أصبحت مغطاة بتلك الكور الورقية،فبدا الأطفال وكأنهم يقفون على سحابة بيضاء. فتح الشيخ الورقة ليقرأ ما كتب عليها،فإذ بها صفحة من صفحات كتابه الذي وزعه منذ سنوات على كتاتيب الجهيلة، استشاط الشيخ غضبًا، وغادر الجمع وهو يصيح: " خلاص يا ولاد الجهيلة رفضتمالعلم، عايزين مين إلى يعلمكم الواد الملحوس المهووس الممسوس إلى جوه ده؟! طب كان علم نفسه الأول..كلكم هالكين لا محال، والبلد دي هالكة لا محال، إن مكانش من جهلكم يبقى من غضب الله عليكم، أنتظروا الهلاك الهلاكيا ولاد الجهيلة، الهلاك لن يبقي ولن يذر".

وقف الكل صامتًا والشيخ الجنزاري يخترق الجموع ومعه من آمن بأن الجهيلة هالكة لامحال، أما في داخل المنزل فجلس فهمي على الأريكة مبتسمًا،يفكر كيف أنه لم يلحظ حلمي كل ذلك الوقت، حلمي كان دائما متواجدًا في جلساته ونزهاته الليلية مع صبري،كان دائما متواجدًا في اجتماعاته مع الشباب، وكان يفاجأ به أحيانا جالسًا تحت الجميزة يستمع إليه وهو يقرأ أو يحادث نفسه،فكر فهمي أننا نظن أحيانا كثيرة أن الحلم بعيد المنال لكنه معنا طوال وقت،يكبر تحت أيدينا، يتحقق كل يوم منه جزءٌدون أن ندري، كبرت ابتسامة فهمي وخرج لمن كانوا ينتظرونه بشغف، ليدعوهم لمحاولة فتح الطاحونة من جديد.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخروج الأكمل إلى النهار قصة قصيرة لـمروة مراد الخروج الأكمل إلى النهار قصة قصيرة لـمروة مراد



نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:07 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

سماع دوي انفجار في رفح جنوب قطاع غزة

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

شهيد في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة جنوب لبنان

GMT 16:30 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

رئيس الإمارات يستقبل سلطان عمان في أبوظبي

GMT 10:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

219 مستوطنا إسرائيليا يقتحمون المسجد الأقصى

GMT 18:53 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

اعتقال 3 ألمان للاشتباه في تجسسهم لصالح الصين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab