تتسارع مؤشرات الأزمة الإنسانية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية مع تصاعد المخاوف من مجاعة تهدد نصف اليمنيين، وذلك بالتزامن مع تصعيد الجماعة ضد المنظمات الإغاثية، وتراجع واردات الغذاء عبر موانئ البحر الأحمر، وإعلان أكبر شركة مطاحن في تلك المناطق توقفها عن العمل بعد نفاد مخزون القمح.
وفي حين خفضت الأمم المتحدة وجود موظفيها الأجانب إلى أدنى مستوياته منذ عقود، إثر الانتهاكات الحوثية الواسعة، أفادت مصادر تجارية في صنعاء بأن مخزون القمح لدى شركة «المحسن»؛ المالكة «مطاحن البحر الأحمر»، نفد كلياً، وبأن الشركة توقفت عن العمل منذ يومين، محذّرة من «شلل تام في إمدادات السوق المحلية».
وأكدت المصادر أن وزارة الاقتصاد في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً رفضت السماح بدخول شحنة قمح جديدة رغم مناشدات الشركة؛ مما يهدد بانقطاع تام للطحين من الأسواق.
وفي رسالة وجهتها الشركة إلى القائم بأعمال وزير الاقتصاد والصناعة، سام البشيري، أكدت إدارة المطاحن أنها كانت قد حذرت سابقاً من نفاد المخزون بشكل كامل وطالبت بسرعة إدخال شحنة جديدة، معلنة «إخلاء مسؤوليتها عن أي نقص في الإمدادات أو اضطراب في استقرار السوق»، ومعتذرة من «عدم القدرة على تلبية الطلبات المحددة للمحافظات».
ورجحت مصادر تجارية أن رفض الحوثيين إدخال شحنات جديدة من القمح يرتبط بقرار اتخذته الجماعة في وقت سابق بعدم السماح باستيراد الدقيق في إطار ما تسميه «تحقيق الاكتفاء الذاتي»، رغم أن الإنتاج المحلي لا يغطي سوى 4 في المائة فقط من حاجة السوق.
سيطرة على الواردات
منذ عام 2017، استأجر رجل الأعمال الحوثي، أحمد الهادي، «مطاحن البحر الأحمر» في محافظة الحديدة (غرب)، وأصبح من أبرز المقربين من زعيم الجماعة. ووفق مصادر حكومية، فقد استحوذ الهادي عبر شركته على الحصة الكبرى من كميات القمح التي كان «برنامج الأغذية العالمي» يستوردها، وطحنها وأعاد تعبئتها وتوزيعها في الأسواق؛ مما أدى إلى تهميش شركات المطاحن اليمنية التقليدية، مثل «هائل سعيد»، و«فاهم»، و«العودي».
ووفق مسؤولين يمنيين، فإن الهادي، المدرج على قائمة العقوبات الأميركية، يعدّ من أذرع الحوثيين الاقتصادية الرئيسية، وقد استغل موقعه للسيطرة على معظم شحنات القمح الإغاثية، وتوريدها تحت إشراف شركته، مستفيداً من الغطاء الأممي.
وأكد هؤلاء أن هذا الوضع «يمثل إخفاقاً للأمم المتحدة في ضمان الشفافية في توزيع المساعدات»؛ إذ سمح بتحويل جزء كبير من المساعدات إلى أداة اقتصادية في يد الجماعة.
وخلال السنوات الأخيرة، توسّع نفوذ الهادي ليشمل السيطرة على «الغرفة التجارية - الصناعية» في صنعاء بعد طرد قيادتها المنتخبة، كما استولى عبر شركاته على عقود الخدمات اللوجيستية لمعظم المنظمات الإغاثية العاملة في مناطق الحوثيين، الأمر الذي مكّنه من التحكم في خطوط الإمداد للسلع الأساسية.
تراجع حاد
في سياق متصل، كشف تقرير «برنامج الأغذية العالمي»، الصادر مطلع الشهر الحالي، عن أن موانئ البحر الأحمر الخاضعة للحوثيين شهدت انخفاضاً حاداً في واردات الغذاء والوقود لثالث شهر على التوالي، بسبب الأضرار التي لحقت ببنيتها التحتية جراء الغارات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة.
وأوضح التقرير أن موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى استقبلت نحو 4.1 مليون طن متري من الوقود والمواد الغذائية خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أغسطس (آب) الماضيين، بانخفاض قدره 22.4 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي التي بلغت خلالها الواردات 5.3 مليون طن.
وأشار التقرير إلى أن إجمالي واردات المواد الغذائية وحدها بلغ 2.6 مليون طن متري خلال أول 8 أشهر من العام الحالي، أي بانخفاض بنسبة 20 في المائة مقارنة بالعام الماضي، مرجعاً ذلك إلى «الأضرار الفادحة التي لحقت بالبنية التحتية للموانئ وانخفاض قدرتها التشغيلية».
وحذّر «البرنامج الأممي» بأن استمرار الهجمات على الموانئ «يعرّض تدفقات واحتياطات الأغذية والوقود للخطر؛ مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في مناطق الحوثيين».
تخفيض أممي
في موازاة الأزمة الغذائية، خفّضت الأمم المتحدة وجود موظفيها الأجانب في مناطق الحوثيين إلى أدنى مستوى منذ عقود، ليقتصر على 3 موظفين فقط، عقب اعتقال الجماعة 53 موظفاً يمنياً، واقتحام مجمع سكني أممي، واستجواب 15 موظفاً آخرين.
وقال جون علم، المتحدث باسم المنسق المقيم للأمم المتحدة لدى اليمن، إن 12 موظفاً أممياً من بين المحتجزين السابقين غادروا صنعاء على متن رحلة تابعة لخدمات الأمم المتحدة للنقل الجوي الإنساني، فيما سُمح لـ3 آخرين بالتنقل داخل البلاد، في حين لا يزال 53 موظفاً محلياً رهن الاحتجاز التعسفي لدى سلطات الحوثيين، إلى جانب موظفين من منظمات غير حكومية وبعثات دبلوماسية.
وأكد المتحدث أن الأمم المتحدة تتابع القضية «على جميع المستويات»، وأنها على اتصال مستمر مع سلطات الحوثيين والدول الأعضاء لضمان الإفراج عن المحتجزين، مجدداً دعوة الأمين العام إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة.
ويرى مراقبون أن خطوة تقليص الوجود الأممي في مناطق الحوثيين تهدد بشلل شبه كامل للأنشطة الإغاثية، التي توقفت فعلياً منذ شهرين إثر مداهمة الجماعة مكاتب الأمم المتحدة في صنعاء واتهام موظفيها بالتجسس لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، وهي التهم التي رفضتها المنظمة بشكل قاطع.
وتحذر منظمات إنسانية بأن «استمرار القيود الحوثية والانخفاض الحاد في الواردات الغذائية» قد يؤدي إلى مجاعة تشمل نصف سكان اليمن، خصوصاً في المناطق الخاضعة للجماعة المتحالفة مع إيران، حيث تتدهور الأوضاع المعيشية بوتيرة متسارعة.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك