هل تستطيع مصر التصدي لظاهرة الولادة القيصرية المتزايدة وما تسببه من مضاعفات صحية واجتماعية
آخر تحديث GMT04:17:45
 العرب اليوم -

هل تستطيع مصر التصدي لظاهرة الولادة القيصرية المتزايدة وما تسببه من مضاعفات صحية واجتماعية

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - هل تستطيع مصر التصدي لظاهرة الولادة القيصرية المتزايدة وما تسببه من مضاعفات صحية واجتماعية

طفل رضيع
القاهرة ـ العرب اليوم

منذ أن خضعت أميرة لجراحة قيصرية لولادة طفلها الأول قبل ست سنوات، تبدلت حياتها بالكامل، وتصف تلك التجربة الآن بأنها "غير ضرورية" و"مضرة بصحتها"، وتشير إلى أنها لم تتلقَّ الدعم الكافي لتحقيق رغبتها في الولادة الطبيعية، بل تعرضت لضغوط وتخويف قاداها إلى غرفة العمليات دون وعي كافٍ بتبعات ذلك القرار.

تقول أميرة إنها لم تكن تملك المعلومات الكافية في تلك المرحلة، وكانت تتوقع أن تكون الولادة القيصرية خيارًا أسهل، لكنها اكتشفت لاحقًا أنه كان خيارًا مكلفًا على الصعيد الصحي، حيث عانت من آلام مزمنة في الظهر، واضطرت للخضوع لعلاج طبيعي استمر عامًا كاملاً. كما أصيب طفلها بمشاكل تنفسية، وفي ولادتها الثانية لم تتمكن من تحقيق حلمها بالولادة الطبيعية بسبب جرح القيصرية الأولى، مما قاد إلى مضاعفات صحية أكثر حدة، منها عدم القدرة على الحركة لشهرين، إضافة إلى إصابتها بالتهاب الكبد الوبائي (ب).

تجربة أميرة ليست حالة فردية، بل هي انعكاس لظاهرة أوسع نطاقًا تشهدها مصر، حيث تسجل البلاد واحدة من أعلى نسب الولادة القيصرية في العالم. ووفقًا للمسح الصحي للأسرة المصرية الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2021، فإن نحو 72% من النساء في مصر أنجبن أطفالهن عبر الجراحة القيصرية، وهي نسبة مرتفعة بشكل كبير مقارنة بالمعدل العالمي الذي توصي به منظمة الصحة العالمية، والبالغ بين 10% و15% فقط.

ما إن بدأ فريق "بي بي سي" في تقصي هذا الموضوع، حتى انهالت الرسائل من نساء تحدثن عن تجارب مشابهة، كثيرات منهن أشرن إلى تعرضهن لضغوط طبية أو مجتمعية دفعت بهن نحو الولادة القيصرية، أو إلى تعرضهن لتخويف متكرر من مضاعفات الولادة الطبيعية، دون توفير توعية كافية بمخاطر الجراحة القيصرية ومضاعفاتها التي قد تستمر مدى الحياة.

سارة، واحدة من هؤلاء النساء، كانت قد بدأت في مسار الولادة الطبيعية، لكنها بعد ساعات من الألم تلقت من طبيبها تحذيرات بأن الولادة "بطيئة"، وأنه من الأفضل اللجوء إلى القيصرية. تقول سارة إنها شعرت أن الأمر لم يكن قرارًا طبيًا بحتًا، بل خضوعًا لضغط زمني، خاصة أن الولادة كانت قبيل عيد الفطر، حيث فضّل الطبيب "الخروج السريع" على الانتظار.

في حين لم تعانِ سارة من مضاعفات كبيرة بعد الجراحة الأولى، إلا أن محاولتها للولادة الطبيعية في حملها الثاني انتهت بانفجار في الرحم، وهي إحدى أخطر المضاعفات المرتبطة بمحاولات الولادة الطبيعية بعد جراحة قيصرية سابقة.

أما ياسمين (اسم مستعار)، فتقول إن الولادة الطبيعية لم تكن مطروحة أصلًا حين علمت بحملها، إذ كانت الولادة القيصرية هي القاعدة السائدة في محيطها الاجتماعي. وبالفعل، اختارت القيصرية، لكنها فوجئت بعدة مضاعفات حادة، منها جلطات دموية بعد الولادة، وتلوث في الجرح استمر لأسابيع، لتقضي أكثر من عام في مرحلة تعافٍ شاقة.

تُظهر الأرقام الرسمية أن 81% من الولادات في المستشفيات الخاصة في مصر تتم عبر القيصرية، مقابل 63% في المستشفيات الحكومية. ورغم انخفاض طفيف في هذه النسب خلال السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تمثل مصدر قلق كبير لوزارة الصحة المصرية.

استجابة لذلك، أعلنت السلطات الصحية في مصر عن مجموعة من الإجراءات الجديدة التي تلزم المستشفيات الخاصة بتقديم إحصاءات شهرية حول الولادات القيصرية وتحليل أسبابها، ضمن جهود تهدف إلى الحد من العمليات غير الضرورية. ومن المقرر بدء تنفيذ هذه الإجراءات بنهاية شهر سبتمبر الجاري. كما أطلقت الوزارة حملات توعية للتشجيع على الولادة الطبيعية، إلى جانب برامج تدريب للقابلات بهدف توفير رعاية متخصصة وآمنة للنساء الراغبات في الولادة الطبيعية.

في هذا السياق، وصفت الدكتورة عبلة الألفي، نائبة وزير الصحة ورئيسة المجلس القومي للسكان، مضاعفات الولادات القيصرية في مصر بأنها "كارثة صحية" تمتد آثارها إلى الأطفال، مشيرة إلى ارتفاع معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة من 14 إلى 18 حالة وفاة لكل ألف مولود، وزيادة ملحوظة في نسبة المواليد الذين يحتاجون إلى دخول الحضانة. وأرجعت الألفي هذه المؤشرات المقلقة إلى التوسع غير المبرر في إجراء الجراحات القيصرية.

وأضافت أن نحو 70% إلى 75% من الولادات في مصر تتم داخل منشآت صحية خاصة، ما يضع عبئًا أكبر على تلك المنشآت لتطبيق الإجراءات الجديدة، وتحمّل مسؤولية الحد من هذا الاتجاه المتصاعد.

على الأرض، تواجه النساء تحديات إضافية، إذ إن كثيرًا من المستشفيات – سواء الخاصة أو العامة – لا تملك التجهيزات المناسبة لدعم الولادة الطبيعية. وتوضح الدكتورة هند عبد السلام، طبيبة أسرة ومدرّبة على الولادة الطبيعية، أن غرف الولادة في معظم المستشفيات مجهزة كما لو كانت غرف عمليات، ما يعيق عملية الولادة الطبيعية ويجعلها تجربة أكثر صعوبة.
وتشير إلى أن النظام الصحي يعاني من نقص في الأطباء والممرضات المدربين على دعم الولادة الطبيعية، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى التحوّل السريع إلى الخيار الجراحي عند ظهور أي تحدٍّ بسيط.

على الجانب الآخر، ينفي أطباء الاتهامات المتعلقة بـ "التعجل" أو "السعي وراء الراحة أو الربح" من وراء التوسع في الجراحات القيصرية. ويقول الدكتور خالد أمين، طبيب متخصص في النساء والتوليد وعضو مجلس نقابة الأطباء، إن القضية أكبر من مجرد علاقة بين طبيب ومريضة، بل ترتبط بمنظومة كاملة لا تدعم خيار الولادة الطبيعية. ويضيف أن كثيرًا من المستشفيات تفتقر إلى الأجهزة الضرورية مثل مراقبة نبض الجنين وانقباضات الرحم، كما أن هناك نقصًا واضحًا في الكوادر الطبية المتخصصة في هذا النوع من الولادات.

ويلفت أمين إلى أن هناك أيضًا ثقافة مجتمعية باتت تروج لمفاهيم مغلوطة حول الولادة الطبيعية، منها أنها مؤلمة أكثر، أو أنها تؤدي إلى تشوهات جسدية، مما يدفع العديد من النساء لطلب الولادة القيصرية منذ البداية. وفي المقابل، إذا أصر الطبيب على الولادة الطبيعية ووقعت مضاعفات، فإنه قد يواجه مساءلة قانونية من قِبل الأسرة.
ويختم قائلاً: "ما نطالب به هو توفير الولادة الآمنة، سواء كانت طبيعية أو قيصرية، مع الحرص على تجنيب الأم أي مضاعفات صحية أو مادية غير ضرورية".

قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

استشاري في طب التوليد يؤكِّد أنّ الولادة القيصرية محفوفة بالمخاطر

دراسة صينية توضّح أن الولادة القيصرية قد تنقذ الأطفال من "كورونا"

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تستطيع مصر التصدي لظاهرة الولادة القيصرية المتزايدة وما تسببه من مضاعفات صحية واجتماعية هل تستطيع مصر التصدي لظاهرة الولادة القيصرية المتزايدة وما تسببه من مضاعفات صحية واجتماعية



إطلالات هنا الزاهد بالأبيص أناقة هادئة تزداد حضوراً في الصباح والسهرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 18:06 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

بي بي سي تؤكد عدم وجود أساس قانوني لدعوى ترامب
 العرب اليوم - بي بي سي تؤكد عدم وجود أساس قانوني لدعوى ترامب

GMT 04:17 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإسباني بيب غوارديولا يجدد دعمه القوي للقضية الفلسطينية
 العرب اليوم - الإسباني بيب غوارديولا يجدد دعمه القوي للقضية الفلسطينية

GMT 00:49 2025 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تكتم حول مرضه تامر حسني يخضع لجراحة دقيقة في ألمانيا
 العرب اليوم - تكتم حول مرضه تامر حسني يخضع لجراحة دقيقة في ألمانيا

GMT 00:57 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تغرم غوغل 665 مليون دولار بسبب الاحتكار

GMT 07:52 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أضيفي لمسة القفازات لإطلالاتك على خطى النجمة درة

GMT 09:58 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يبدأ تطبيق نظام الحجز المسبق للزوار

GMT 06:31 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سلسلة مؤهلات

GMT 16:24 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

البابا يحث قادة العالم على الاستماع إلى صرخة الفقراء

GMT 08:33 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أناقة المطبخ بين الأبيض والخشب في التصاميم العصرية

GMT 04:41 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 12 وإصابة 10 في حادث حافلة بالإكوادور

GMT 06:32 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة مفاجئة لاعب أوكراني سابق بعد مباراة خيرية

GMT 23:42 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل في الجزائر بعد أداء طلاب طب القسم بالفرنسية

GMT 17:38 2025 الأحد ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مصرع 32 عاملا في انهيار منجم كوبالت بجنوب الكونغو

GMT 05:07 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إلغاء عشرات الرحلات الجوية بعد ثوران بركان في اليابان

GMT 10:32 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

رامي صبري يكشف سرّاً عن علاقته بشيرين عبد الوهاب

GMT 05:01 2025 الإثنين ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قتلى وجرحى في إطلاق نار بولاية نيوجيرسي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab