في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار دوماً إلى جزر اليونان الشهيرة مثل سانتوريني وميكونوس، يظل شمال البلاد سراً خفياً يحتضن كنوزاً طبيعية وتاريخية تتفوّق في سحرها على أشهر الجزر. في هذه المنطقة الساحرة، يتقاطع عبق الأساطير مع الحياة اليومية، حيث تتعانق الجبال الشاهقة مع السواحل الذهبية، وتجاور الينابيع الساخنة القصور الملكية القديمة. هنا في شمال اليونان، يعيش الزائر تجربة فريدة تجمع بين المغامرة والاسترخاء، وبين الجمال الطبيعي والمجد الإغريقي الخالد.
في قلب الطبيعة الخضراء في شرق هالكيديكي، تنتظر الزائر تجربة سباحة لا تُنسى عند شلالات فارفارا، حيث تتكوّن برك طبيعية باردة عند قاعدة الشلالات المخفية وسط الغابات الكثيفة. يمكن الانطلاق من قرية أوليمبيادا باتجاه فارفارا عبر طريق يمر بين الأشجار، ثم السير لمسافة أربعة كيلومترات للوصول إلى هذه الجوهرة الطبيعية التي تبدو كأنها مشهد من القصص الخيالية.
أما فيرغينا، فهي واحدة من أعظم الوجهات الأثرية في شمال اليونان، ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتاريخ الإسكندر الأكبر، ابن الملك فيليب الثاني وملك مقدونيا القديمة. هذا الموقع المدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو يضم آثار قصر فيليب الثاني، وهو من أفخم ما تبقّى من العمارة الإغريقية الكلاسيكية، إلى جانب الأسوار والمقابر الملكية التي تضم أكثر من 500 تل جنائزي، من بينها مقبرة الملك فيليب الثاني التي كُشف عنها عام 1977 بحالة شبه سليمة، لتصبح من أهم الاكتشافات الأثرية في تاريخ البلاد.
وفي ستاجيرا القديمة، يمكن للزائرات السير على خُطى الفيلسوف أرسطو، الذي وُلد هناك عام 384 قبل الميلاد. ترتفع أطلال المدينة بنحو 500 متر فوق سطح البحر وتوفر إطلالة خلابة على الساحل. هذه المنطقة عادة ما تكون هادئة، ما يجعلها مثالية للتأمل والتعمق في التاريخ. كما يمكن للزوار الانطلاق في مسار مشي يبلغ 17 كيلومتراً يبدأ من حديقة أرسطو الحديثة التي تضم أدوات تفاعلية توضح المبادئ العلمية التي وضعها الفيلسوف في كتبه.
ولا تكتمل الرحلة إلى شمال اليونان دون زيارة جبل أوليمبوس، أعلى جبال البلاد وأكثرها شهرة في الأساطير الإغريقية. يتكوّن الجبل من ثلاث قمم رئيسية هي ميتكاس وسكوليو وستيفاني، ويضم أكثر من 1700 نوع من النباتات النادرة، إلى جانب الغزلان والطيور. الهواء هناك عليل ونقي حتى في ذروة الصيف، وتعبق الأجواء برائحة الصنوبر والمياه الجبلية، مما يمنح الزائرة شعوراً بأنها تسير في عالم أسطوري حيّ.
وبالقرب من الحدود البلغارية، تنتظر تجربة استجمام مميزة في ينابيع بوزار الحرارية التي تحافظ على حرارة تبلغ نحو 37 درجة مئوية طوال العام. تشتهر هذه الينابيع منذ ستينيات القرن الماضي بخصائصها العلاجية، وتوفر للزوار أحواضاً داخلية وخارجية وسط الطبيعة الخلابة. تتضاعف روعة التجربة ليلاً تحت ضوء القمر والنجوم، حين يمتزج دفء المياه بسكون الطبيعة ليخلق لحظات لا تُنسى.
ومن عالم الينابيع إلى أعماق الكهوف، يُعد كهف بيراما من أكبر وأجمل كهوف اليونان، إذ يمتد على مساحة 15 ألف متر مربع بالقرب من بحيرة بامفوتيدا في مدينة إيوانينا. اكتُشف الكهف عام 1940، وتُقام فيه جولات منظمة تستمر قرابة 45 دقيقة، حيث يكتشف الزوار روائع التكوينات الصخرية من الهوابط والصواعد والبحيرات الجوفية، إضافة إلى بقايا حيوانات قديمة نادرة مثل دب الكهوف، ما يجعل الزيارة تجربة مفعمة بالغموض والمغامرة.
أما لمن يعشق البحر، فتقدّم منطقة خالكيذيكي شواطئ تُعد من الأجمل في اليونان، تمتد على مسافة 500 كيلومتر من الرمال الذهبية والمياه الفيروزية. يمكن الاختيار بين الشواطئ الهادئة غير المنظمة للاستجمام الكامل أو الشواطئ المجهزة بالمقاهي والمطاعم. ويُعد شاطئ ساني من أكثرها شهرة بفضل غابات الصنوبر المحيطة به ومياهه النقية الحاصلة على العلم الأزرق، بينما تعتبر قرية نيكيتي وجهة مثالية لمحبي الغوص ومغامرات أعماق البحر.
وفي تجربة لا تقل سحراً، يمكن خوض مغامرة التجديف في نهر أراختوس الذي يُعد من أجمل أنهار اليونان. يبدأ النهر من أعالي منطقة إيوانينا ويمر عبر جبال تسوميركا، ليمنح الزائرات تجربة تجمع بين الحماس وسحر الطبيعة. يمتد مسار التجديف لمسافة عشرة كيلومترات مروراً بجسر بوليتسا الشهير، وتُشاهد خلال الرحلة جسوراً حجرية تعود إلى القرن التاسع عشر مثل جسر بلاكا الذي يُعد أكبر جسر حجري في البلقان وثالث أكبر جسر من نوعه في أوروبا، في مشهد يأسر الأنظار ويخلّد في الذاكرة.
رحلة إلى شمال اليونان ليست مجرد عطلة، بل هي تجربة غنية بالمشاعر والجمال، تجمع بين الاسترخاء في أحضان الطبيعة واستكشاف أعظم فصول التاريخ الإنساني، لتبقى هذه المنطقة وجهة مثالية لكل من تبحث عن التنوّع، والسكينة، وسحر الأساطير في قلب أوروبا.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أجمل الشواطئ والمناظره الطبيعية لقضاء شهر عسل في قبرص
جزيرة براسلين تتميز بـ أجمل الشواطئ الرملية البيضاء في العالم
أرسل تعليقك