منذ أن خضعت أميرة لجراحة قيصرية لولادة طفلها الأول قبل ست سنوات، تبدلت حياتها بالكامل، وتصف تلك التجربة الآن بأنها "غير ضرورية" و"مضرة بصحتها"، وتشير إلى أنها لم تتلقَّ الدعم الكافي لتحقيق رغبتها في الولادة الطبيعية، بل تعرضت لضغوط وتخويف قاداها إلى غرفة العمليات دون وعي كافٍ بتبعات ذلك القرار.
تقول أميرة إنها لم تكن تملك المعلومات الكافية في تلك المرحلة، وكانت تتوقع أن تكون الولادة القيصرية خيارًا أسهل، لكنها اكتشفت لاحقًا أنه كان خيارًا مكلفًا على الصعيد الصحي، حيث عانت من آلام مزمنة في الظهر، واضطرت للخضوع لعلاج طبيعي استمر عامًا كاملاً. كما أصيب طفلها بمشاكل تنفسية، وفي ولادتها الثانية لم تتمكن من تحقيق حلمها بالولادة الطبيعية بسبب جرح القيصرية الأولى، مما قاد إلى مضاعفات صحية أكثر حدة، منها عدم القدرة على الحركة لشهرين، إضافة إلى إصابتها بالتهاب الكبد الوبائي (ب).
تجربة أميرة ليست حالة فردية، بل هي انعكاس لظاهرة أوسع نطاقًا تشهدها مصر، حيث تسجل البلاد واحدة من أعلى نسب الولادة القيصرية في العالم. ووفقًا للمسح الصحي للأسرة المصرية الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2021، فإن نحو 72% من النساء في مصر أنجبن أطفالهن عبر الجراحة القيصرية، وهي نسبة مرتفعة بشكل كبير مقارنة بالمعدل العالمي الذي توصي به منظمة الصحة العالمية، والبالغ بين 10% و15% فقط.
ما إن بدأ فريق "بي بي سي" في تقصي هذا الموضوع، حتى انهالت الرسائل من نساء تحدثن عن تجارب مشابهة، كثيرات منهن أشرن إلى تعرضهن لضغوط طبية أو مجتمعية دفعت بهن نحو الولادة القيصرية، أو إلى تعرضهن لتخويف متكرر من مضاعفات الولادة الطبيعية، دون توفير توعية كافية بمخاطر الجراحة القيصرية ومضاعفاتها التي قد تستمر مدى الحياة.
سارة، واحدة من هؤلاء النساء، كانت قد بدأت في مسار الولادة الطبيعية، لكنها بعد ساعات من الألم تلقت من طبيبها تحذيرات بأن الولادة "بطيئة"، وأنه من الأفضل اللجوء إلى القيصرية. تقول سارة إنها شعرت أن الأمر لم يكن قرارًا طبيًا بحتًا، بل خضوعًا لضغط زمني، خاصة أن الولادة كانت قبيل عيد الفطر، حيث فضّل الطبيب "الخروج السريع" على الانتظار.
في حين لم تعانِ سارة من مضاعفات كبيرة بعد الجراحة الأولى، إلا أن محاولتها للولادة الطبيعية في حملها الثاني انتهت بانفجار في الرحم، وهي إحدى أخطر المضاعفات المرتبطة بمحاولات الولادة الطبيعية بعد جراحة قيصرية سابقة.
أما ياسمين (اسم مستعار)، فتقول إن الولادة الطبيعية لم تكن مطروحة أصلًا حين علمت بحملها، إذ كانت الولادة القيصرية هي القاعدة السائدة في محيطها الاجتماعي. وبالفعل، اختارت القيصرية، لكنها فوجئت بعدة مضاعفات حادة، منها جلطات دموية بعد الولادة، وتلوث في الجرح استمر لأسابيع، لتقضي أكثر من عام في مرحلة تعافٍ شاقة.
تُظهر الأرقام الرسمية أن 81% من الولادات في المستشفيات الخاصة في مصر تتم عبر القيصرية، مقابل 63% في المستشفيات الحكومية. ورغم انخفاض طفيف في هذه النسب خلال السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تمثل مصدر قلق كبير لوزارة الصحة المصرية.
استجابة لذلك، أعلنت السلطات الصحية في مصر عن مجموعة من الإجراءات الجديدة التي تلزم المستشفيات الخاصة بتقديم إحصاءات شهرية حول الولادات القيصرية وتحليل أسبابها، ضمن جهود تهدف إلى الحد من العمليات غير الضرورية. ومن المقرر بدء تنفيذ هذه الإجراءات بنهاية شهر سبتمبر الجاري. كما أطلقت الوزارة حملات توعية للتشجيع على الولادة الطبيعية، إلى جانب برامج تدريب للقابلات بهدف توفير رعاية متخصصة وآمنة للنساء الراغبات في الولادة الطبيعية.
في هذا السياق، وصفت الدكتورة عبلة الألفي، نائبة وزير الصحة ورئيسة المجلس القومي للسكان، مضاعفات الولادات القيصرية في مصر بأنها "كارثة صحية" تمتد آثارها إلى الأطفال، مشيرة إلى ارتفاع معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة من 14 إلى 18 حالة وفاة لكل ألف مولود، وزيادة ملحوظة في نسبة المواليد الذين يحتاجون إلى دخول الحضانة. وأرجعت الألفي هذه المؤشرات المقلقة إلى التوسع غير المبرر في إجراء الجراحات القيصرية.
وأضافت أن نحو 70% إلى 75% من الولادات في مصر تتم داخل منشآت صحية خاصة، ما يضع عبئًا أكبر على تلك المنشآت لتطبيق الإجراءات الجديدة، وتحمّل مسؤولية الحد من هذا الاتجاه المتصاعد.
على الأرض، تواجه النساء تحديات إضافية، إذ إن كثيرًا من المستشفيات – سواء الخاصة أو العامة – لا تملك التجهيزات المناسبة لدعم الولادة الطبيعية. وتوضح الدكتورة هند عبد السلام، طبيبة أسرة ومدرّبة على الولادة الطبيعية، أن غرف الولادة في معظم المستشفيات مجهزة كما لو كانت غرف عمليات، ما يعيق عملية الولادة الطبيعية ويجعلها تجربة أكثر صعوبة.
وتشير إلى أن النظام الصحي يعاني من نقص في الأطباء والممرضات المدربين على دعم الولادة الطبيعية، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى التحوّل السريع إلى الخيار الجراحي عند ظهور أي تحدٍّ بسيط.
على الجانب الآخر، ينفي أطباء الاتهامات المتعلقة بـ "التعجل" أو "السعي وراء الراحة أو الربح" من وراء التوسع في الجراحات القيصرية. ويقول الدكتور خالد أمين، طبيب متخصص في النساء والتوليد وعضو مجلس نقابة الأطباء، إن القضية أكبر من مجرد علاقة بين طبيب ومريضة، بل ترتبط بمنظومة كاملة لا تدعم خيار الولادة الطبيعية. ويضيف أن كثيرًا من المستشفيات تفتقر إلى الأجهزة الضرورية مثل مراقبة نبض الجنين وانقباضات الرحم، كما أن هناك نقصًا واضحًا في الكوادر الطبية المتخصصة في هذا النوع من الولادات.
ويلفت أمين إلى أن هناك أيضًا ثقافة مجتمعية باتت تروج لمفاهيم مغلوطة حول الولادة الطبيعية، منها أنها مؤلمة أكثر، أو أنها تؤدي إلى تشوهات جسدية، مما يدفع العديد من النساء لطلب الولادة القيصرية منذ البداية. وفي المقابل، إذا أصر الطبيب على الولادة الطبيعية ووقعت مضاعفات، فإنه قد يواجه مساءلة قانونية من قِبل الأسرة.
ويختم قائلاً: "ما نطالب به هو توفير الولادة الآمنة، سواء كانت طبيعية أو قيصرية، مع الحرص على تجنيب الأم أي مضاعفات صحية أو مادية غير ضرورية".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
استشاري في طب التوليد يؤكِّد أنّ الولادة القيصرية محفوفة بالمخاطر
دراسة صينية توضّح أن الولادة القيصرية قد تنقذ الأطفال من "كورونا"
أرسل تعليقك