أنعش وقف إطلاق النار في غزة آمال الكثيرين في إسرائيل في أن تبدأ دولتهم بترميم صورتها على الساحة الدولية، بعد أشهر من العزلة المتفاقمة جراء تداعيات الصراع الذي استمر عامين، وفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء.
وتغير الرأي العام في الغرب بشكل كبير منذ اندلاع الحرب، في أعقاب الهجوم الذي شنته حركة «حماس» على إسرائيل، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وأسفر، وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية، عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 251 آخرين.
وتصاعدت موجات الغضب بسبب الكلفة الإنسانية للحملة الإسرائيلية فيما أعلنت عدة دول غربية اعترافها بدولة فلسطينية في الأشهر القليلة الماضية، رغم المعارضة الشديدة من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأيضاً من واشنطن.
وأظهرت استطلاعات للرأي في الخارج انحسار الدعم للحملة العسكرية الإسرائيلية، حتى في الولايات المتحدة أوثق حلفاء إسرائيل. ووفقاً لمسؤولي الصحة في قطاع غزة، أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني.
وتحدثت «رويترز» إلى 13 خبيراً ومسؤولاً إسرائيلياً حاليين وسابقين أقروا بأن الخسائر الإنسانية للصراع ألحقت ضرراً كبيراً بسمعة إسرائيل. وعبَّر عدد منهم عن الأمل في أن يسهم الإفراج، هذا الأسبوع، عن الرهائن الإسرائيليين وأسرى فلسطينيين في إطار المرحلة الأولى من اتفاق غزة في تحسين صورة إسرائيل.
وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، هذا الأسبوع: «قد يساعد ذلك إسرائيل على استعادة بعض التعاطف والشرعية التي فقدتها خلال الحرب».
وعلق بيتر ليرنر، المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي، للإعلام الدولي، بالقول إن ذلك سيتطلب إجراءات سياسية من جانب حكومة نتنياهو، وليس مجرد تصريحات.
ودعا إلى «التزام واضح وموثوق بالسلام، وحماية أرواح الأبرياء، واحترام القانون الدولي، والاستثمار الجاد في الشراكات الإقليمية والإنسانية».
جنود إسرائيليون يعملون بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة جنوب إسرائيل (رويترز)
جنود إسرائيليون يعملون بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة جنوب إسرائيل (رويترز)
ولم يحضر رئيس الوزراء قمة استضافتها مصر، يوم الاثنين، بهدف مناقشة خطوات التوصل لإنهاء دائم للحرب على غزة، وأرجع هذا «لقرب بداية عيد (يهودي)».
وخلصت دراسة نشرها «مركز بيو للأبحاث»، ومقره واشنطن، في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول)، إلى أن 39 في المائة من الأميركيين قالوا إن إسرائيل تجاوزت الحد في عمليتها العسكرية ضد «حماس»، مقارنة بنحو 31 في المائة قبل عام، و27 في المائة في أواخر عام 2023.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قد دق ناقوس الخطر منذ أشهر في اجتماعات مغلقة مع نتنياهو ووزراء آخرين حول التداعيات الدبلوماسية للحرب، وفقاً لمسؤولين اثنين حضرا الاجتماعات، ومسؤول آخر مطلع على الأمر.
وفاجأ نتنياهو كثيراً من الإسرائيليين، الشهر الماضي، عندما قال إن إسرائيل ستحتاج إلى أن تصبح أكثر اعتماداً على نفسها في السنوات المقبلة، بسبب ردود الفعل الدولية المُنددة بالحرب.
وسبق أن توعَّد رئيس الوزراء، الذي أكد مراراً رفضه إقامة دولة فلسطينية، بمواصلة الحرب حتى تدمير «حماس» بشكل كامل.
وقال دبلوماسي من أوروبا الغربية إن «تحسين السمعة يحتاج إلى وقت طويل من إعادة بناء الثقة»، مضيفاً أن وقف إطلاق النار كان «خطوة أولى جيدة... لكن سيتعين اتخاذ خطوات كثيرة أخرى».
خوف من العزلة
كشف استطلاع رأي أجراه «معهد دراسات الأمن القومي»، وهو مركز أبحاث في تل أبيب، في أغسطس (آب)، أن أكثر من 66 في المائة من الإسرائيليين يخشون من تعرض إسرائيل لعزلة دولية، مقارنة مع 55 في المائة في يوليو (تموز) تموز 2024.
وقال مرصد عالمي لمراقبة الجوع في أغسطس إن مدينة غزة والمناطق المحيطة بها تعاني من المجاعة، ورفضت إسرائيل هذه النتيجة.
وذكرت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة، وهي تهمة رفضتها الحكومة الإسرائيلية مراراً، قائلة إنها تحارب «حماس»، وليس الشعب الفلسطيني.
وقال بعض المطلعين على جهود التواصل والإعلام والدبلوماسية الإسرائيلية إن إخفاق حكومة نتنياهو في التعامل دبلوماسياً مع مخاوف الغرب بشأن العواقب الإنسانية للحرب في غزة فاقم من عزلة إسرائيل.
وتحدث بعض المسؤولين السابقين أيضاً عن غياب التنسيق بشأن التواصل، والافتقار إلى الموارد. وقالوا إن جهود التواصل في وقت الحرب ظلت موزعة بين إدارات مختلفة، وإن مديرية الدبلوماسية العامة الوطنية، المسؤولة عن تنسيق الرسائل الإعلامية والدبلوماسية العامة بين مختلف الجهات الحكومية، تفتقر إلى الموارد أيضاً، كما يناقض بعض الوزراء اليمينيين المتطرفين علناً تصريحات مسؤولين آخرين.
وعبر ريتشارد هيخت، المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام الدولي، عن اعتقاده بأن إسرائيل، التي أصبح جيشها المصدر الرئيسي للمعلومات عن عملية غزة، بحاجة إلى إنشاء منظمة حكومية مدنية فعالة لإدارة التواصل الدولي.
وتم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بوساطة الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا. وتدعو المرحلة الثانية من الاتفاق إلى إنشاء «مجلس سلام» بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للإشراف على تنفيذ الخطوات التالية.
ورغم إعلان ترمب أمام الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين انتهاء «الكابوس الطويل» الذي عاشه الفلسطينيون، فإنه لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام تسوية الصراع، مثل إنشاء حكومة تكنوقراط فلسطينية لإدارة غزة، ونزع سلاح «حماس».
ولا يزال اتفاق وقف إطلاق النار هشاً؛ إذ فتح الجيش الإسرائيلي، الذي يحتل نحو نصف قطاع غزة، النار، يوم الثلاثاء، على فلسطينيين قال إنهم كانوا يقتربون من قواته.
ودعت بنينا شارفيت باروخ، التي تدير برنامجاً بحثياً عن إسرائيل والقوى العالمية في «معهد دراسات الأمن القومي»، إسرائيل إلى البناء على خطة ترمب المكونة من 20 نقطة لتعزيز الشراكات الإقليمية والاستقرار في غزة، وتجديد التواصل مع الدول العربية المعتدلة.
وقالت: «مثل هذا المسار لن يعزز أمن المنطقة فحسب، وإنما سيساعد إسرائيل أيضاً على إعادة بناء مكانتها ومصداقيتها الدولية».
وتساءل بعض الخبراء عما إذا كانت الحكومة اليمينية الحالية في إسرائيل، التي تعتمد على دعم الأحزاب الدينية القومية المتطرفة، قادرة على بناء جسور مع الدول المجاورة والقيادة الفلسطينية.
وعبَّر السفير السابق إيمانويل نحشون، الذي شغل منصب نائب المدير العام للدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الإسرائيلية بالشهور الأولى من الحرب، عن اعتقاده بأن نتنياهو لم يسافر إلى قمة شرم الشيخ في مصر لتجنب مناقشة حل الدولتين.
وأضاف: «أعتقد أن أول خطوة لتحسين سمعة إسرائيل في العالم هي إجراء انتخابات واختيار حكومة جديدة تسلك مساراً مختلفاً يأخذ بعين الاعتبار الدروس المستفادة من الحرب».
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
النص الكامل لمقترح ويتكوف لوقف القتال في غزة ووافقت عليه تل أبيب ورفضته حماس
الأونروا تحذر غزه تحتاج 600 شاحنه مساعدات يوميا لتفادي كارثه انسانيه
أرسل تعليقك