في ظل تصعيد عسكري غير مسبوق ووسط تدهور إنساني متفاقم، أعلن الجيش الإسرائيلي توسيع عملياته البرية داخل مدينة غزة شمالي القطاع، ضمن حملة "مركبات جدعون 2"، التي تهدف إلى فرض سيطرة كاملة على المدينة، في وقت تواصل فيه القوات توغلها لليوم الثالث وسط حركة نزوح جماعي للسكان باتجاه الجنوب، وتزايد الضغوط الدولية المطالبة بوقف الحرب، بما في ذلك خطوات سياسية متقدمة نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وذكر الجيش الإسرائيلي أن قواته، بإشراف مباشر من جهاز الشاباك والاستخبارات العسكرية، نفّذت سلسلة غارات استهدفت ما وصفه بمستودعات أسلحة تابعة لحركة حماس، قال إنها كانت تحتوي على متفجرات معدّة للاستخدام ضد قواته. وأشار البيان إلى أن الفرقتين 162 و98 تواصلان عمليات التوغل داخل مدينة غزة، بينما تنفذ فرقة غزة (143) عمليات موازية في منطقتي خان يونس ورفح جنوب القطاع، أسفرت عن مقتل مسلحين وتدمير عشرات المنشآت العسكرية، بما في ذلك أنظمة مراقبة وأنفاق.
وبحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، أسفرت العملية منذ انطلاقها عن مقتل نحو 200 "مقاتل"، مشيرة إلى أن القوات تتقدم ببطء داخل المدينة، في ظل انسحاب معظم مقاتلي لواء المدينة باتجاه الجنوب. وفي سياق متصل، أفادت صحيفة "معاريف" بأن الجيش يستعد لتكثيف الغارات الجوية والقصف المدفعي بهدف دفع من تبقى من السكان إلى مغادرة المدينة، وهو ما يؤشر إلى احتمال تصعيد أكبر خلال الأيام المقبلة.
وذكر شهود عيان أن دبابات إسرائيلية شوهدت، صباح الخميس، في منطقتين تُعدان من البوابات الرئيسة المؤدية إلى مركز مدينة غزة، وسط انقطاع كامل لخدمات الإنترنت والاتصالات الهاتفية في أنحاء القطاع، في خطوة تسبق عادة تنفيذ عمليات عسكرية موسعة.
وتسيطر القوات الإسرائيلية حتى الآن على الضواحي الشرقية للمدينة، فيما استهدفت خلال الأيام الأخيرة أحياء الشيخ رضوان وتل الهوى، والتي يُتوقع أن تستخدمها كنقاط انطلاق نحو المناطق الوسطى والغربية المكتظة بالسكان.
وزارة الصحة في غزة أعلنت مقتل 14 فلسطينيًا على الأقل، بينهم تسعة في مدينة غزة، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، جراء الغارات والقصف الإسرائيلي، ما رفع إجمالي عدد القتلى منذ بدء الحرب قبل نحو عامين إلى 65,141، وعدد المصابين إلى 165,925 بحسب بيانها الرسمي الصادر الخميس.
وفي ظل اشتداد المعارك، أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية عن توقف خدماتها بشكل كامل، مرجعة السبب إلى "العدوان المستمر واستهداف البنية التحتية لمسارات الشبكة الرئيسة"، بينما أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرات متكررة من أن المستشفيات في شمال غزة "على وشك الانهيار الكامل"، مع تعذر وصول الطواقم الطبية والإمدادات الضرورية.
وكتب المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، على منصة "إكس"، أن التوغل الإسرائيلي المتسارع وأوامر الإخلاء القسري تُنتج موجات نزوح متتالية وتدفع بعائلات مفجوعة إلى مناطق "آخذة في التقلص ولا تحفظ الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية". وأضاف أن المستشفيات باتت عاجزة عن استقبال مزيد من المرضى، فيما يتعذر على الفرق الأممية إيصال المساعدات الحيوية إلى داخل المدينة.
في السياق السياسي، اجتمع وزير الشؤون الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية، رون ديرمر، بالمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف في العاصمة البريطانية لندن، لبحث إمكانية استئناف مفاوضات تتعلق بصفقة شاملة تشمل إطلاق سراح جميع الرهائن ووقف الحرب، في ظل وجود وفد قطري رفيع المستوى في المدينة، في إطار وساطة أمريكية لمحاولة تخفيف التوتر بين تل أبيب والدوحة، على خلفية الغارات التي استهدفت قيادات من حماس في قطر.
على الصعيد الدولي، أثارت تصريحات جديدة للمحققة الأممية الجنوب أفريقية نافي بيلاي جدلًا واسعًا، بعد أن اتهمت إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزة، مشيرة إلى وجود تشابه بين ما يجري حاليًا وبين مجازر رواندا عام 1994. وقالت بيلاي، التي ترأست المحكمة الخاصة برواندا وشغلت لاحقًا منصب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، إن المحاسبة وإن بدت بعيدة "ليست مستحيلة"، مستشهدة بقول نيلسون مانديلا إن "كل شيء يبدو مستحيلاً حتى يُنجز".
بيلاي، التي تترأس لجنة تحقيق مستقلة لا تتبع رسميًا للأمم المتحدة، قالت في مقابلة مع وكالة فرانس برس إن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، حرّضوا علنًا على ارتكاب إبادة جماعية، في ما يمكن أن يشكل سابقة قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي تدرس بالفعل إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين.
في غضون ذلك، كشفت صحيفة "التايمز" البريطانية عن نية الحكومة البريطانية إعلان الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين نهاية هذا الأسبوع، فور مغادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لبريطانيا بعد زيارته الرسمية، وذلك تجنبًا لصدام دبلوماسي مباشر مع الإدارة الأمريكية. ويعد هذا التحرك تحولًا جوهريًا في السياسة البريطانية، التي دعمت تاريخيًا حل الدولتين، لكنها امتنعت في السابق عن الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية إلى حين ما وصفته بـ"الظروف المناسبة".
وبحسب الصحيفة، فإن رئيس الوزراء كير ستارمر قد قرر اتخاذ الخطوة ردًا على تعنت إسرائيل في وقف العمليات العسكرية وتخفيف المعاناة الإنسانية، بعدما كان قد حذر في يوليو/تموز من أنه سيُقدِم على الاعتراف إن لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات ملموسة بهذا الصدد. وكان كل من فرنسا وكندا وأستراليا قد أعلنوا بالفعل اعترافهم بالدولة الفلسطينية في وقت سابق من الشهر الحالي.
من جهتها، امتنعت وزارة الخارجية البريطانية عن التعليق على التقرير، بينما يتعرض ستارمر لضغوط داخلية متزايدة من نواب في حزب العمال تطالبه باتخاذ موقف أكثر حزمًا تجاه السياسات الإسرائيلية، خاصة مع اقتراب الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يُتوقع أن يُعلن الاعتراف الرسمي من على منبرها الأسبوع المقبل.
وفي تطور متصل، أعلن المدعي العام الإسباني يوم الخميس عن تشكيل فريق تحقيق خاص لجمع أدلة على "انتهاكات حقوق الإنسان في غزة"، لدعم جهود المحكمة الجنائية الدولية، وذلك ضمن التزامات إسبانيا بالتعاون القضائي الدولي في قضايا حقوق الإنسان.
قد يهمك أيضا
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يحذر نتنياهو من أن السيطرة على غزة قد تستغرق 6 أشهر
استشهاد لاعب نادي الهلال الرياضي "محمد أبو عودة" بقصف الاحتلال لمنطقة الكرامة شمال غرب مدينة غزة
أرسل تعليقك