شهدت الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك حالة من التوتر السياسي والدبلوماسي، في ظل تصاعد الحرب في غزة، وتزايد الدعوات لوقفها فوراً. طغت مشاهد الدمار في القطاع على كلمات قادة العالم، الذين تباينت مواقفهم بين تحذيرات من "هيمنة منطق القوة"، ومطالب بتعزيز القانون الدولي، بينما تصدّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المشهد بخطاب استثنائي تجاوز مدته 56 دقيقة، مكرّسًا معظمه لمهاجمة خصومه والهيئات الدولية، ومؤكدًا على رؤيته لدور بلاده في إنهاء النزاعات العالمية، وعلى رأسها الصراع في غزة.
في خطاب هو الأطول في تاريخ الجمعية العامة، اعتبر ترامب أن الولايات المتحدة تعيش عصراً ذهبياً في ظل قيادته، مشيراً إلى انخفاض معدلات التضخم، وتحقيق اتفاقيات تجارية وصفها بـ"التاريخية"، وأكد أنه يستحق جائزة نوبل للسلام لإنهائه سبع حروب، على حد زعمه. ولم يوفر الرئيس الأمريكي الأمم المتحدة من انتقاداته، حيث اتهمها بأنها "تموّل الغزوات بدلاً من إيقافها"، مشتكياً في الوقت نفسه من تعطل جهاز التلقين والسلم الكهربائي خلال زيارته لمقر المنظمة.
ترامب دعا إلى إنهاء الحرب في غزة، مشيراً إلى ضرورة إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، إلا أنه اعتبر اعتراف بعض الدول بدولة فلسطينية "مكافأة على الفظائع التي ارتكبتها حماس"، بحسب تعبيره. كما هاجم إيران واصفاً إياها بـ"الراعية الرئيسية للإرهاب"، وأكد أن واشنطن لن تسمح لها بامتلاك الأسلحة النووية. لم تخلُ كلمته من انتقادات لاذعة لحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، وكذلك للصين والهند، بسبب مواصلتهما شراء النفط من روسيا، في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا.
بموازاة كلمته، عقد ترامب اجتماعاً متعدد الأطراف على هامش الجمعية العامة، ضمّ قادة من دول عربية وإسلامية، بينهم تركيا وقطر والسعودية والإمارات ومصر والأردن وباكستان وإندونيسيا. ركّز اللقاء على السعي لوقف الحرب في غزة، وإيجاد آلية لإطلاق سراح الرهائن، والتعامل مع الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع. ووصف ترامب الاجتماع بأنه "الأهم" بالنسبة له، معلناً عزمه التحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن سبل التهدئة. وأعرب أمير قطر عن أمله في أن تساعد قيادة ترامب في إنهاء المأساة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي شارك في الاجتماع، وصفه بـ"المثمر للغاية"، دون الإعلان عن نتائج ملموسة. وأكد أردوغان أن تركيا لا تزال متمسكة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، منددة بما وصفته بـ"الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل، وطالبت بتحرك دولي عاجل.
في سياق آخر، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أنها توصّلت إلى تفاهم مع الترويكا الأوروبية لاستمرار المحادثات النووية، وأكدت وجود أفكار جديدة مطروحة لتجنّب إعادة فرض العقوبات على طهران. وجاء الإعلان بعد اجتماع عُقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد ركّز في كلمته على رفض "منطق شريعة الغاب"، داعياً إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، باعتبار أن احترام القانون الدولي هو الطريق الوحيد لمواجهة الفوضى والازدواجية في المعايير. وقال ماكرون إن إسرائيل تجاهلت أوامر المحكمة الدولية بمنع الإبادة الجماعية في غزة، مطالباً بتنفيذ هذه الأوامر، مشدداً على أن "سلطة القانون هي أفضل فرصنا لمنع هيمنة منطق القوة".
وأكد الرئيس الفرنسي أن بلاده تبنّت خطة "ذات مصداقية" تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة، وإحياء مسار حل الدولتين، مشيراً إلى أن الاعتراف بدولة فلسطينية يدعم استقرار المنطقة. وفي مقابلة تلفزيونية لاحقة، قال إن الرئيس الأمريكي يمكن أن يحصل على جائزة نوبل فقط إذا نجح في إنهاء الحرب في غزة.
بدورهم، أصدر وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى (كندا، وفرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) بياناً مشتركاً دعا إلى "وقف إطلاق النار الفوري بين إسرائيل وحماس"، وإنهاء القتال الذي أدى إلى سقوط عشرات آلاف القتلى في القطاع.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش شدّد في كلمته على أهمية احترام القانون الدولي، وضرورة تعزيز العدالة، مؤكداً أن الأزمات الإنسانية في غزة وأوكرانيا تتطلب استجابة عالمية ترتكز إلى المبادئ لا المصالح.
الرئيس اللبناني جوزاف عون طالب بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، مشدداً على ضرورة الالتزام بالقرار 1701 واستمرار تفويض قوات "اليونيفيل". كما دعا إلى وقف الحرب في غزة وإحياء عملية سياسية تؤدي إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، قائلاً إن لبنان "لا يطلب امتيازات، بل تطبيق مسؤولية دولية تعيده إلى دوره كمنصة للحرية والتعددية".
وفي تحول مفاجئ في موقفه من الحرب الروسية الأوكرانية، قال ترامب إن أوكرانيا قادرة على "استعادة حدودها الأصلية"، مؤكداً أن الدعم الأوروبي وحلف الناتو كفيلان بتحقيق ذلك. جاءت تصريحاته بعد اجتماع مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي أعرب عن تفاجئه بهذا التغير الإيجابي في موقف ترامب، واعتبره مؤشراً على التزام واش
طغت الحرب الدائرة في قطاع غزة على كلمات رؤساء الدول ومندوبيها في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي عُقدت يوم الثلاثاء في نيويورك، في وقت تصاعدت فيه الدعوات لوقف إطلاق النار، واحترام القانون الدولي، وتجنّب العودة إلى ما وصفه البعض بـ"شريعة الغاب".
وشهدت الجلسة خطابًا مطولًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كسر الرقم القياسي لأطول خطاب في تاريخ الجمعية العامة، حيث تحدث لأكثر من 56 دقيقة، متجاوزًا الحد الزمني المعتاد البالغ 15 دقيقة. وهاجم ترامب خصومه السياسيين، وأشاد بإنجازاته، واعتبر أن الولايات المتحدة تعيش "عصرًا ذهبيًا" في ظل قيادته، مؤكدًا أنه أنهى سبع حروب خلال فترة رئاسته، وأنه يستحق على ذلك جائزة نوبل للسلام، على حد قوله.
وفي لهجة شديدة، انتقد ترامب الأمم المتحدة، واتهمها بتمويل ما وصفه بـ"غزوات" طالبي اللجوء نحو الولايات المتحدة، بدلًا من منعها. كما عبّر عن انزعاجه من تعطل السلم الكهربائي وجهاز التلقين أثناء زيارته للمقر الأممي، واعتبر ذلك مثالًا على فشل المنظمة في تنظيم الحد الأدنى من البروتوكولات.
في ما يتعلق بالصراعات الدولية، أشار ترامب إلى أن إنهاء الحرب في أوكرانيا هو "الأمر الأسهل"، مطالبًا الوسطاء الدوليين بالإسراع في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن. لكنه انتقد بشدة الخطوات الدولية الرامية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، واعتبرها "مكافأة على فظائع ارتكبتها حركة حماس"، على حد تعبيره.
وفي لهجة تصعيدية تجاه إيران، وصف ترامب طهران بأنها "الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم"، وشدد على ضرورة منعها من امتلاك ما سمّاه "أخطر الأسلحة"، في إشارة إلى برنامجها النووي. كما لم يسلم الحلفاء الأوروبيون، ولا الصين والهند، من انتقاداته بسبب استمرار شراء النفط من روسيا، ملوحًا بعقوبات جديدة دون تحديد طبيعتها.
وخلال اجتماعات ثنائية ومتعددة الأطراف عقدها ترامب على هامش الجمعية العامة، التقى بعدد من قادة الدول العربية والإسلامية، من بينهم قادة من الإمارات وقطر والسعودية ومصر والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان. وركّزت اللقاءات على إيجاد مخرج لإنهاء الحرب في غزة، والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وتخفيف الكارثة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.
وأعرب ترامب خلال هذه الاجتماعات عن رغبته في التوصل إلى اتفاق شامل يضع حدًا للحرب، مؤكداً أنه سيناقش الأمر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ووصف لقاءه بالقادة العرب والمسلمين بأنه "الأهم" خلال وجوده في الأمم المتحدة.
من جانبه، قال أمير قطر إن "الوضع في غزة سيء جداً"، مؤكدًا أن بلاده تبذل كل جهد ممكن للمساعدة في وقف الحرب. وأضاف: "نحن نعوّل على قيادتك، سيد ترامب، للمساعدة في إنهاء هذه الحرب والتخفيف عن سكان غزة".
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصف الاجتماع بأنه "مثمر للغاية"، دون الإعلان عن نتائج ملموسة، لكنه أشار إلى أنه سيتم إصدار بيان مشترك لاحقًا. وواصل أردوغان هجومه على إسرائيل، واصفًا عملياتها العسكرية في غزة بأنها "إبادة جماعية"، داعياً المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل.
أما فرنسا، فقد دعا رئيسها إيمانويل ماكرون إلى ضرورة احترام القانون الدولي، ودعم المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، منددًا بما وصفه بتجاهل أوامر المحاكم الدولية، خصوصًا من قبل إسرائيل وروسيا. وأكد ماكرون أن بلاده تعتمد خطة "ذات مصداقية" لوقف الحرب في غزة وإحياء مسار حل الدولتين، مشيراً إلى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمثل "دعماً لاستقرار المنطقة بأسرها".
ماكرون اعتبر أن سلطة القانون الدولي هي السبيل الوحيد لمنع هيمنة منطق "شريعة الغاب"، مشددًا على أهمية تنفيذ أوامر محكمة العدل الدولية، التي أصدرت أوامر لإسرائيل بمنع الإبادة الجماعية في غزة، لكنها لم تُنفذ حتى الآن.
في السياق ذاته، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية عن اتفاق مع الترويكا الأوروبية على مواصلة المحادثات النووية يوم الأربعاء، وذلك بعد اجتماع جرى على هامش أعمال الجمعية العامة. وأكدت طهران أنه تم طرح "أفكار جديدة" خلال الاجتماع لتجنّب إعادة فرض العقوبات الدولية، التي تلوّح بها بعض الدول الغربية بسبب ما تعتبره تجاوزات في البرنامج النووي الإيراني.
يُذكر أن إيران تخضع منذ سنوات لمجموعة من العقوبات الدولية بسبب برنامجها النووي، وكانت المفاوضات حول إحيائه قد تعثرت خلال السنوات الماضية. ويُعد استمرار الحوار مع الترويكا الأوروبية (فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا) بمثابة نافذة أخيرة لمنع التصعيد، خاصة في ظل مناخ دولي مشحون بالصراعات والتوترات.
وفي ختام جلسات اليوم الأول من الجمعية العامة، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه العميق إزاء الانتهاكات المتكررة للقانون الدولي، ودعا المجتمع الدولي إلى "تعزيز العدالة وحقوق الإنسان"، مؤكداً أن "الالتزام بالقانون هو الحد الأدنى لضمان بقاء النظام الدولي".
قد يهمك أيضــــــــــــــا
الأمم المتحدة توافق على استئناف مؤتمر حل الدولتين
ترامب يخطط لعقد قمة مع قادة دول لبحث حرب غزة
أرسل تعليقك