غزة ـ العرب اليوم
على كرسي معدني متحرك، وفي طريق مدمر تصطف على جانبيه آثار الحرب والدمار، نزحت جازية، الفلسطينية التي تجاوزت المئة عام، من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، في مشهد يلخص تاريخاً كاملاً من النكبات والشتات. وقد وثّقت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) هذه القصة في منشور مؤثر على صفحتها الرسمية، مشيرة إلى أن السيدة العجوز ما زالت تحمل أمنية بسيطة وعميقة: "أن يعيش أطفال ابنها في سلام وأمان".
جازية، التي يقول من عرفها إنها "عاشت نكبتين ونكسة"، روت لحظة النزوح الأخيرة بكلمات مؤلمة: "كنت جالسة على كرسي معدني متحرك على طول طريق مدمّر، وكل متر عبرته يترك بصمته على جسدي الضعيف". لكنها، رغم تعب السنين والحروب، تحتفظ ببقايا من العزيمة، وتُظهر امتنانها للشباب الذين دفعوا كرسيها المتنقل وهم "قد عاشوا أهوالاً لا يمكن تصورها"، على حد وصفها.
قصة جازية ليست سوى واحدة من آلاف الحكايات التي تتكرر يومياً في قطاع غزة. ففي اليوم ذاته، الأربعاء، استمرت حركة النزوح الجماعي من المدينة، بينما واصلت إسرائيل هجومها العسكري على غزة، الذي دخل مراحل أكثر عنفاً وتوسعاً، وتسبب حتى الآن في دمار واسع وحركة تهجير ضخمة، لا سيما من مدينة غزة، الأكثر اكتظاظاً بالسكان.
القصف الإسرائيلي تركز على مخيم الشاطئ وحي النصر غرب المدينة، مستخدماً الأحزمة النارية، في تصعيد جديد طال أيضاً محيط مستشفى القدس في حي تل الهوى، حيث أعلنت جمعية الهلال الأحمر أن قوات الاحتلال حاصرت البوابة الجنوبية للمستشفى، ومنعت الدخول والخروج منه، مما يهدد حياة الطواقم الطبية والمرضى، في ظل مناشدات متكررة للمجتمع الدولي للتدخل العاجل.
وفي الساعات الأولى من صباح الأربعاء، أعلن الدفاع المدني في غزة أن 15 شخصاً قُتلوا في سلسلة غارات عنيفة استهدفت مناطق متعددة من القطاع، في حين أكد الجيش الإسرائيلي مواصلة عملياته البرية، التي اتسعت خلال الأيام الماضية لتشمل أحياء مكتظة مثل الشجاعية والزيتون ومناطق شرق المدينة.
ويأتي هذا التصعيد بعد نحو عامين من بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي اندلعت عقب هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023. ومع استمرار القصف، لا تلوح في الأفق أي بوادر لوقف النار، بينما يتزايد عدد القتلى والنازحين، وتتوالى الإدانات الدولية دون تأثير فعلي على أرض الواقع.
وسط هذه الصورة القاتمة، تبقى جازية شاهدة على قرن من الألم، لا تنحني للسنين بقدر ما تعكسها بعينيها المتعبتين. نزحت من أرضها أكثر من مرة، شاهدت أجيالاً تُهجر وتُقتل وتُقصف، وها هي اليوم تتقدم طريق اللجوء مرة أخرى، متكئة على الكرسي والذاكرة، لا تطلب الكثير سوى أن يحظى أحفادها بحياة لم تُمنح لها.
قد يُهمك ايضـــــًا :
واشنطن تُطالب إسرائيل بالمزيد من المعلومات حول الضربة التي قتلت موظفين بالأونروا
مقتل 18 شخصاً في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في غزة و"الأونروا" تعلن مقتل 6 من موظفيها
أرسل تعليقك