منذ تولي الفنان الكبير حسين فهمي رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، استعاد المهرجان بريقه وهيبته القديمة، ليعود إلى صدارة المشهد الثقافي بوصفه واجهة مصر السينمائية أمام العالم.
خبرة تمتد لأكثر من خمسة عقود في التمثيل والإخراج والإنتاج والإدارة، جعلت من فهمي رجل المرحلة القادر على المزج بين الرؤية الفنية والانضباط المؤسسي. فهو لم يدخل المنصب ليضع اسمه على لافتة، بل ليعيد للمهرجان هويته الأولى كمحفل سينمائي جاد، لا كحدث اجتماعي يتزاحم فيه المصورون والإطلالات.
ومنذ دورته الخامسة والأربعين، بدا واضحاً أن حسين فهمي يتعامل مع المهرجان كعمل سينمائي كبير يحتاج إلى إدارة واعية لكل تفصيلة: من اختيار الأفلام وتنظيم الجلسات، إلى استقبال الضيوف وإدارة العروض. كان هدفه المعلن هو أن "يعود المهرجان إلى أصوله"، وأن تُستعاد الثقة الدولية في مهرجان القاهرة بوصفه أقدم مهرجان في المنطقة العربية وأحد أبرز مهرجانات العالم من حيث التاريخ والتنوع.
وفي الدورة السادسة والأربعين التي تقام هذا العام، يبدو أن خطته تسير بخطى ثابتة. فالأفلام المشاركة تتنوع بين مدارس سينمائية مختلفة، وحضور الشباب يتزايد، بينما يزداد وضوح البصمة التنظيمية والإدارية في كل التفاصيل.
وعن هذه الدورة وتحدياتها ورؤيته لمستقبل السينما المصرية، تحدث فهمي مع "العربية.نت" و"الحدث.نت" في الحوار التالي:
*بداية.. كيف تقيّم ملامح الدورة السادسة والأربعين مقارنة بالدورات السابقة؟
**أستطيع القول إن الدورة الحالية أكثر نضجاً على مستوى التنظيم والاختيار. عملنا منذ شهور على توسيع شبكة علاقاتنا الدولية، وعلى اختيار أفلام تعبر عن الاتجاهات الجديدة في السينما العالمية. لم نرد أن تكون الدورة احتفالية فقط، بل تجربة فنية جادة تقدم قيمة حقيقية للمشاهد والمبدع على السواء.
*تحدثت أكثر من مرة عن أهمية الانضباط داخل المهرجان، ماذا تقصد تحديداً؟
**المهرجان مؤسسة لابد أن تدار بعقلية احترافية. الانضباط ليس تشديداً، بل احترام للزمن وللعمل الجماعي. حين يلتزم الجميع بالمواعيد، وبأسلوب التعامل مع الضيوف والإعلام، نكون أمام حدث دولي بمعنى الكلمة. لا أقبل أن يتحول المهرجان إلى فوضى، لأن صورة مصر الثقافية تُصنع هنا.
*وكيف جرت عملية اختيار الأفلام لهذه الدورة؟
**لجنة المشاهدة عملت لشهور طويلة، وشاهدت مئات الأفلام من أنحاء العالم. لم أتدخل في اختياراتهم، لكنني أتابع بدقة المعايير التي تحكم القرار. ما أطلبه دائماً هو أفلام تمتلك جرأة في الرؤية وصدقاً في التعبير، لا نريد التكرار ولا التقليد. السينما لغة تجديد، ومهرجان القاهرة السينمائي يجب أن يكون مساحة لذلك.
*البعض يلاحظ أنك تتحدث بحزم شديد في تصريحاتك، هل هذا بسبب أهمية المنصب؟
**الحزم ليس قسوة، بل وضوح. نحن نمثل مصر، وأي خطأ بسيط ينعكس على صورتنا. المهرجان ليس مكاناً للظهور فقط، بل مسؤولية وطنية وفنية. من يحترم الفن يجب أن يحترم قواعده أيضاً.
الفنان حسين فهمي (إنستغرام)
*وماذا عن مشاركة الشباب في المهرجان؟
**الشباب هم روح السينما ومستقبلها. نحن نمنحهم مساحات واسعة للمشاركة من خلال الورش والمنتديات، ونشجع صناع الأفلام القصيرة والمشاريع الجديدة. من دون الشباب لا يمكن أن نتحدث عن استمرارية الفن.
*شهدت هذه الدورة اهتماماً لافتاً بملف الترميم الرقمي للأفلام الكلاسيكية، كيف تنظرون إلى هذا الجانب؟
**الترميم الرقمي ليس رفاهية، بل واجب ثقافي. نحن نعمل على إعادة ترميم تراث السينما المصرية للحفاظ عليه من الاندثار. في الدورة الماضية رممنا عشرة أفلام، وهذا العام نواصل بعدد أكبر، ونأمل أن يتضاعف في الأعوام المقبلة. لكن الأهم من الترميم هو الحفاظ على روح الفيلم الأصلي، فالأفلام التي صورت بالأبيض والأسود يجب أن تبقى كذلك، احتراماً لمبدعيها وحفاظاً على جمالياتها.
لدينا في هذه الدورة قرابة عشرين فيلماً مرمماً نعرضها للجمهور، لأننا نؤمن أن التراث لا يُخزن في الأرشيف، بل يُعرض ويُناقش ويُحتفى به، ولكن الترميم يحتاج وقتاً ودقة شديدة في العمل لأن بعض الأفلام كانت في حالة تحلل.
*وماذا عن حضور السينما العربية والعالمية هذا العام؟
**هناك حضور مميز من بلدان عربية وأجنبية. سعينا إلى أن تكون المشاركة معبرة عن تنوع التجارب واللغات البصرية. المهرجان المصري بطبيعته ليس محلياً، بل جسر يربط الثقافات، وهذه الفكرة نحرص على ترسيخها عاماً بعد عام.
ثقافة وفن أول ظهور بعد الحادث.. أحمد سعد يحيي زفاف ابن ريم مصطفى
*الجمهور أحياناً ينتقد اختيارات المهرجان باعتبارها صعبة أو غير جماهيرية، كيف ترد؟
**المهرجانات ليست دار عرض تجاري. نحن نقدم سينما مختلفة تفتح أفق المشاهد وتضعه أمام تجارب جديدة. قد تكون بعض الأفلام صعبة، لكنها تربي الذوق وتفتح النقاش حول الفن والمعنى. هذا هو دورنا الحقيقي.
*أخيراً، ما الرسالة التي تود أن تخرج بها الدورة السادسة والأربعون؟
**أن مصر ما زالت قلب السينما في المنطقة، وأن مهرجان القاهرة لا يزال قادراً على المنافسة رغم التحديات. نريد أن نثبت أن الفن حين يدار بإخلاص واحترام يمكن أن يصنع فرقاً حقيقياً. المهرجان بالنسبة لي ليس حدثاً عابراً، بل وعد متجدد بأن تظل القاهرة منارة للسينما في العالم العربي.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
حسين فهمي يكشف كواليس لقائه بالرئيس الفرنسي وممازحته له
حسين فهمي يكشف أسرار وفاة سعاد حسني ويتحدث عن "نمبر وان"
أرسل تعليقك