تنطلق الدورة السادسة والأربعون من «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي»، وينطلق معها ذلك التصميم الذي صاحب المهرجان منذ البداية والهدف الذي سعى إليه وحققه اليوم أكثر من أي وقت مضى. منذ البداية، سنة 1976، رغب المهرجان، وعلى مدى العقود التي مرّت عليه، في تقديم نفسه ومدينة القاهرة ومصر في عنوان واحد.
مثل كل عاصمة دولية أو مدينة كبيرة تحتضن مهرجاناً سينمائياً أو أكثر (ڤيينا، ونيويورك، وسان سيباستيان، كارلوڤي ڤاري، وبرلين، وبوينس آيرس وسواها)، لمهرجان القاهرة غاية واضحة هي وضع المدينة التي يُقام فيها على خريطة المهرجانات الدولية لجذب صانعي الأفلام وتجاربهم وإنتاجاتهم إليه، وفي الوقت نفسه توفير الدعم الفني والثقافي للجمهور المحلي وهواة السينما عبر مسابقات وبرامج مختلفة.
إضافة إلى ذلك السياق السابق فإنّ رئيس المهرجان حسين فهمي، بعد دورتين سابقتين ناجحتين، بات أكثر قدرة على ضبط ومتابعة ما تتطلبه الإدارة من تنظيم وحكمة. وطبعاً هناك دائماً ما هو أفضل لكل عمل، وكلما كبر هذا العمل كبرت التحديات نتيجة لذلك.
خلال الدورتين السابقتين شهد الحاضرون تنظيماً إدارياً أفضل من بعض سنوات الأمس، ورغبة في لعب ورقة الأفلام الفنية وتوسيع الرقعة الجماهيرية في الوقت نفسه. الأيام المقبلة ستشهد مدى تقدّم الدورة عن سابقاتها في هذا المجال. لكن ما هو مؤكد الآن، ومن خلال الاطلاع على الأفلام المشاركة، أنّ الاختيارات تشكّل بانوراما واسعة من الأفلام المختلفة (14 فيلماً منها في المسابقة الرئيسية) ومعظمها يستحق اهتمام هواة السينما والنقاد الذين يتابعونها.
فيلم الافتتاح
البداية، وبعد خطب الافتتاح المعتادة، سيشاهد الجمهور فيلم الافتتاح الذي اختير لهذه الدورة، والمؤلّف من 13 دقيقة فقط لا غير، بوصفه بديلاً لأي فيلم روائي أو تسجيلي كما جرت العادة. الفيلم هو «بايسانوس» (Vaisanos)، ناطق بالعربية والإسبانية.
يمكن فهم سبب الاختيار عند معرفة أن الجمهور المدعو (وليس مشتري التذاكر) لا يعيرون الأفلام عموماً ما يكفي من اهتمامهم. ينتظرون انتهاء المراسم الأولى ومشاهدة وصول الفنانين وما سيُلقى من خطب، ثم ينهضون من مقاعدهم ويتجهون نحو باب الخروج. هذه المسألة قد تكون السبب وراء اختيار فيلم قصير لافتتاح الدورة.
هذا إضافة إلى حقيقة أن القضية الفلسطينية، التي واكبتها مصر كما هو معلوم، تلتقي مع فيلم الافتتاح: شريط تشيلي من إخراج فرنشسكا خميس جياكومومان وشقيقها أندريا خميس جياكومومان. يتابع الفيلم مباراة كرة قدم لفريق فلسطيني في العاصمة التشيلية، تشكّل مناسبة لالتقاء المشاعر السياسية والإنسانية بين الجمهور التشيلي والفلسطينيين في غزّة. ليس فيلم شعارات، بل ترجمة (كان المرء يتمنى لو كانت أطول) لمشاعر تآخي وحماس التشيليين تجاه غزّة وما حدث لها. هذا التعبير مزوّد بتعليق لاعب فلسطيني ومعلّقة تشيلية، كل منهما يصف ما تعنيه مسافات البعد من تقارب إنساني.
وفي إطار الفيلم الفلسطيني أيضاً، هناك فيلم آخر عُرض في مهرجان «كان» ونال الحفاوة وجائزة أفضل فيلم في مسابقة «نظرة ما».
الفيلم هو «كان يا ما كان في غزّة» (Once Upon a Time in Gaza)، من إخراج الشقيقين عرب وطرزان ناصر.
هذا فيلم كان يمكن أن يأتي أفضل ممّا أتى عليه. يبدأ بمشاهد تصوّر قصف غزّة خلال حرب السنتين، لكن حكايته تقع في عام 2007. يندرج ذلك تحت بند استخدام الأحداث الأخيرة لتقديم حكاية وقعت في الماضي، خيالاً أو حقيقة. وعلى ذلك، فالتواصل بين ما يعرضه الفيلم وما يجري في الواقع متين. ما نراه، في أحد جوانبه، يشبه كرة الثلج في بداية تدحرجها.
هذان الفيلمان وسواهما مما سيُعرض ستشهد انعكاس الوضع السياسي القائم على المهرجان، الذي كان حسين فهمي قد حدده سابقاً عندما ذكر أن دورة العام الحالي هي دورة «تحية لفلسطين».
بالتالي سيشهد «كان يا ما كان في غزّة» (المسابقة) و«صوت هند رجب» لكوثر بن هنية (خارج المسابقة) إقبالاً كبيراً، يسبقه نفاذ التذاكر قبل يومين من عرضيهما.
فيلم رائع ومختلف
لكن هناك، ومن بين نحو 91 فيلماً معروضاً، فيلم واحد سيترك المشاهدين حائرين مما يرونه. فيلم سيتفق مشاهدوه على أنه مختلف جدّاً عن كل شيء آخر، وسيختلفون حول تقييمه. الفيلم هو «موعظة إلى الفراغ» (من أذربيجان بمشاركة مكسيكية وتركية) لهلال بَيْداروف. هو ثالث ثلاثية حققها المخرج، ومن المؤسف أن هذا الناقد لم يتمكن من مشاهدة الفيلمين السابقين، علماً بأنه ليست هناك حكاية متواصلة بين هذا الجزء وما سبقه.
هو تعليق حول حال العالم في مستقبل قريب يبثّه رجل اسمه شاه إسماعيل (يؤديه حسين ناظروف)، يعلّق مناجياً خلال بحثه عن الروح. يناديها متسائلاً أين هي؟ هي رمز وجداني للحياة التي تبدو وقد تحوّلت إلى مجرد برّية من الجبال والسهول يمشي فيها شاه بلا اتجاه محدد، ومن ثمّ بلا نهاية. في الدقائق الأولى سيبدو الفيلم كما لو كان رسومات لعمل تسجيلي، لكن بعض تلك الدقائق يتبدّى فيها إنجاز تقني نافذ تم خلاله تصوير الممثلين والأماكن على حد سواء ثم إدخال برمجة تحوّلها إلى رسومات. هذا سيستوقف المشاهدين، لكن القلّة ستستطيع سبر ما يطرحه الفيلم أو يتحدث عنه، وأقل منهم من سيتابع الفيلم حتى نهايته.
هي شجاعة من مدير المهرجان وفريقه، اختيار هذا الفيلم الذي عُرض في مهرجان ڤينيسيا في سبتمبر (أيلول) الماضي، مراهناً على حب اكتشاف البعض لسينما جديدة في الفن والتشكيل.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن موعد دورته الـ46
حسين فهمي يكشف تفاصيل تحضيره لمهرجان القاهرة السينمائي في ظل فقدان شقيقه
أرسل تعليقك