بينما يتواصل التصعيد الإسرائيلي العنيف على قطاع غزة، والذي خلّف عشرات القتلى والجرحى منذ فجر الأحد، تتجه بريطانيا والبرتغال إلى اتخاذ خطوة غير مسبوقة بالاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، في تحوّل يعتبره مراقبون نقطة تحوّل في مواقف بعض العواصم الغربية تجاه القضية الفلسطينية، خاصة مع اقتراب موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد أعلن الجيش الإسرائيلي رصد إطلاق مقذوفين من شمال قطاع غزة، أُعترض أحدهما بينما سقط الآخر في منطقة مفتوحة جنوب إسرائيل دون تسجيل إصابات. بالتزامن، تواصل القصف المدفعي والغارات الجوية على مناطق متفرقة من القطاع، خاصة في مدينة غزة وحي الشيخ رضوان، حيث أُعلن عن تفجير مدرعة مفخخة، بينما أفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" أن الجيش الإسرائيلي أطلق النار تجاه منتظري المساعدات قرب محور نتساريم وسط القطاع. وتشير آخر الإحصاءات إلى مقتل 31 شخصاً منذ فجر اليوم، توزعوا على مستشفيات الشفاء والأهلي العربي والعودة وناصر، وسط توقعات بارتفاع الحصيلة لوجود قتلى تحت الأنقاض لا تستطيع طواقم الإنقاذ الوصول إليهم.
في الأثناء، أكدت مصادر رسمية في لندن ولشبونة أن بريطانيا والبرتغال ستعلنان اليوم، الأحد 21 سبتمبر/أيلول 2025، اعترافهما الرسمي بدولة فلسطين، في خطوة أثارت اعتراضات شديدة من إسرائيل والولايات المتحدة. وتوقعت وسائل إعلام بريطانية أن يُقدم رئيس الوزراء كير ستارمر على إعلان الاعتراف بعد ظهر اليوم، بعد أن كان قد ألمح في يوليو/تموز إلى أن حكومته ستغيّر موقفها إذا لم تُظهر إسرائيل التزاماً حقيقياً بوقف إطلاق النار والانخراط في عملية سلام طويلة الأمد تؤدي إلى حل الدولتين.
وبالتزامن، أكدت وزارة الخارجية البرتغالية أن لشبونة ستعلن اليوم أيضاً اعترافها بالدولة الفلسطينية، مشيرة إلى أن تصاعد النزاع وتكرار التهديدات بضم أراضٍ فلسطينية من قبل إسرائيل عجّل بهذه الخطوة.
ومن المنتظر أن تؤكد عدة دول إضافية، من بينها فرنسا، موقفاً مماثلاً خلال القمة المرتقبة يوم الإثنين في نيويورك، والتي تُعقد برئاسة فرنسية-سعودية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان نائب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لامي، الذي سيُمثل المملكة المتحدة في الأمم المتحدة، قد صرّح أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "يأتي نتيجة التوسع الخطير الذي نشهده في الضفة الغربية، لا سيما في ضوء مشروع E1 الاستيطاني، الذي يُهدد بصورة خطيرة فرص حل الدولتين".
المشروع المعروف بـ"E1" يتضمن بناء أكثر من 3400 وحدة استيطانية شرق القدس، بما يؤدي فعلياً إلى فصل المدينة عن الضفة الغربية، وهو ما تعتبره الأمم المتحدة والعديد من الدول الغربية انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وتهديداً مباشراً لأي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً.
وفي تصريحات لشبكتي BBC وسكاي نيوز، شدد لامي على أن الاعتراف لا يعني إقامة الدولة بشكل فوري، لكنه خطوة رمزية تهدف إلى الحفاظ على حل الدولتين، موضحاً أن "لا مكان لحماس" في العملية السياسية، داعياً إلى الإفراج عن الرهائن المحتجزين في غزة منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتأتي هذه التطورات بينما بلغت حصيلة القتلى في قطاع غزة منذ بدء الحرب أكثر من 65 ألف شخص، و166 ألف مصاب، في وقت تتواصل فيه عمليات القصف والنزوح. وقد نزح أكثر من نصف مليون شخص من مدينة غزة وحدها، وسط تدهور الوضع الإنساني وانقطاع شبه كامل للخدمات الأساسية.
وفي سياقٍ متصل، شدد الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال اتصال هاتفي، على أهمية مؤتمر "حل الدولتين" المقرر انعقاده في نيويورك في 22 سبتمبر/أيلول الجاري، كخطوة محورية نحو اعتراف دولي شامل بالدولة الفلسطينية. وأعرب السيسي عن ترحيبه باعتزام فرنسا الاعتراف بفلسطين، داعياً بقية الدول التي لم تقم بهذه الخطوة بعد إلى أن تحذو حذوها.
وفي تطوّر ميداني آخر، أعلنت إسرائيل صباح الأحد إغلاق معبر الكرامة الحدودي مع الأردن في كلا الاتجاهين، بعد أن أعيد فتحه لفترة وجيزة. القرار يأتي بعد أيام من هجوم نفذه سائق شاحنة مساعدات عند المعبر، أدى إلى مقتل جنديين إسرائيليين، مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى طلب وقف دخول المساعدات إلى قطاع غزة من الجانب الأردني.
في ظل هذا المشهد المعقد، تبقى الأنظار متجهة إلى المواقف الدولية ومدى قدرتها على تغيير قواعد اللعبة، أو على الأقل كبح جماح التصعيد المستمر، وإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الدبلوماسي العالمي، من بوابة الاعتراف السياسي الذي تأخر كثيراً.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
السماح للرئيس الفلسطيني بالمشاركة افتراضيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة عقب حرمانه من التأشيرة
الدبابات الإسرائيلية تتقدّم نحو غزة ونتنياهو يعد بـ"مفاجآت" وحماس جاهزة للمقاومة
أرسل تعليقك