قبل شهر من الموعد النهائي المقرر لانسحاب القوات الأميركية من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة العراقية، وبحسب الاتفاق المبرم في العام الماضي، ستبقي الولايات المتحدة على جزء من قواتها العسكرية في إقليم كردستان العراقي لعام إضافي، لمواصلة المهام المرتبطة بمكافحة تنظيم داعش. ورغم مضيّ واشنطن قدمًا في تنفيذ هذا الانسحاب، فإن الأصوات داخل وزارة الدفاع الأميركية لا تزال تعبّر عن تردد وتحفظ حيال هذا القرار.
مصادر مطلعة في البنتاغون أكدت أن عدداً من كبار الضباط والموظفين في وزارة الدفاع يعارضون بشدة الانسحاب الكامل، مشيرين إلى تقديرات استخباراتية تفيد بأن العراق ما يزال يعاني من حالة عدم استقرار عميقة. وعلى الرغم من أن الوضع في العراق لا يشهد اضطرابات حادة حالياً، إلا أن المخاطر تظل قائمة ومتزايدة بفعل عوامل متعددة من بينها استمرار نشاط تنظيم داعش، وتأثير الميليشيات الموالية لإيران، والتوترات المزمنة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان.
المسؤولون الأميركيون يرون أن الأوضاع في العراق لا يمكن فصلها عن التطورات الإقليمية، خاصة في سوريا المجاورة، حيث لا يزال الوضع السياسي في مرحلة انتقالية، وسط تحديات أمنية في جنوب البلاد وشمالها الشرقي. كما أن تركيا، بحسب مصادر أميركية، تواصل لعب دور مقلق في الشمال السوري من خلال مواقفها العدائية تجاه الأكراد وتنظيم "قسد"، ما يعقد الحسابات الأمنية الأميركية في المنطقة.
رغم هذه المعطيات، فإن القرار السياسي في واشنطن لا يزال متمسكًا بالانسحاب، وفقًا لما أعلنه مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، الذي شدد على أن مهمة التحالف في العراق ستنتهي في سبتمبر 2025، بينما سيستمر دعم جهود محاربة داعش في سوريا انطلاقاً من قواعد أميركية داخل العراق حتى سبتمبر 2026. وهذا الموقف الرسمي يعكس انقساماً داخل الإدارة الأميركية بين توجهات الرئيس دونالد ترمب من جهة، والمخاوف التي تبديها المؤسسة العسكرية والاستخباراتية من جهة أخرى، والتي لا ترغب في تكرار سيناريو 2011 عندما انسحبت القوات الأميركية بشكل كامل ثم عادت بسرعة بسبب الانهيار الأمني الذي أعقب الفراغ.
من جهة أخرى، أكد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن لا تزال ملتزمة بشركائها في العراق الذين يسعون إلى بناء دولة اتحادية مستقرة وذات سيادة، مضيفاً أن هناك تواصلاً مستمراً مع الحكومة العراقية على مستويات متعددة. ومع ذلك، تظل ملفات عديدة عالقة بين الجانبين، خاصة ما يتعلق بالتحذيرات الأميركية من تحوّل العراق إلى معبر لتهريب النفط الإيراني والدولار الأميركي والأسلحة، بما يصب في خدمة النفوذ الإيراني بالمنطقة.
الحكومة العراقية من جانبها، تنفي بشكل قاطع هذه الاتهامات، إذ صرح مصدر كبير فيها أنه لا يوجد تهريب للنفط من الموانئ العراقية، موضحًا أن ما يُباع هو النفط الأسود من مصانع عراقية رسمية. كما تحدّت الحكومة الخزانة الأميركية والبنك الفيدرالي أن يثبتا تهريب أي دولار واحد إلى إيران، مؤكدة أنها تتخذ كافة الإجراءات اللازمة لضبط حركة الأموال والتجارة ضمن إطار السيادة العراقية. وعلى الجانب الآخر، أشار مسؤول عراقي رفيع إلى أن معظم الأنشطة غير المشروعة التي تتهم بها بغداد مصدرها إقليم كردستان، وليس المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المركزية.
في المقابل، تتجنب الإدارة الأميركية الانخراط العلني في الجدل حول تهريب الأموال والنفط، مركّزة جهودها على ملاحقة مصادر تمويل طهران في العراق. وأوضح مسؤول في الخارجية الأميركية أن واشنطن تتابع عن كثب الشبكات المالية التي تستخدمها إيران وتعمل على تشديد الضغط الاقتصادي عليها من خلال قطع الطرق التي تصل من خلالها الأموال والأسلحة إلى الميليشيات الموالية لها.
أما المسألة التي لا تبدي واشنطن تهاوناً بشأنها، فهي مشروع قانون "الحشد الشعبي"، حيث أجرى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اتصالات متكررة برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أعرب خلالها عن قلق الولايات المتحدة العميق حيال هذا المشروع. وأكدت وزارة الخارجية الأميركية أن روبيو شدد على أن تمرير قانون الحشد سيُشرعن النفوذ الإيراني داخل مؤسسات الدولة العراقية، ويمنح المجموعات المسلحة نفوذاً يهدد سيادة العراق واستقراره.
وبينما تواصل الولايات المتحدة استعداداتها لتنفيذ الانسحاب المقرر، تلوح في الأفق مخاوف من مرحلة ما بعد الانسحاب، حيث يتوقع مراقبون أن يؤدي غياب القوات الأميركية إلى خلق فراغ أمني وسياسي قد تتحول معه الأراضي العراقية إلى ساحة صراع مفتوح بين قوى إقليمية متنافسة. وفي ظل هذا المشهد المعقد، ستتحمل الحكومة العراقية عبء الحفاظ على الاستقرار وحماية المؤسسات الوطنية من دون غطاء دولي مباشر، وهو تحدٍّ لا يُستهان به في ظل التوازنات الداخلية الهشة والانقسامات السياسية القائمة.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
السوداني يتوعد بمحاسبة المتورطين في اعتداء بغداد
العراق يحمل الولايات المتحدة مسؤولية الهجوم على مقر الحشد الشعبي
أرسل تعليقك