يمثّل وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً الذي يتم التفاوض عليه بين إسرائيل وحماس شريان حياة بالنسبة لسكّان قطاع غزة. كما أنه يُعتبر فرصة لإدخال كميات كبيرة من الغذاء والمياه والأدوية الضرورية بعد القيود الإسرائيلية الصارمة - وفي بعض الأحيان القيود الكاملة - على إيصال المساعدات.
ولكن بالنسبة لوزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، فإن توقف العمليات العسكرية لمدة شهرين من شأنه أن يخلق فرصة لبناء ما سمّاها "مدينة إنسانية" على أنقاض مدينة رفح المدمرة جنوبي القطاع، لتؤوي جميع سكان غزة تقريباً، باستثناء أولئك المنتمين إلى الجماعات المسلحة.
وبحسب الخطة، سيتم التدقيق أمنياً على الفلسطينيين قبل السماح لهم بالدخول إلى المدينة، ولن يُسمح لهم بالمغادرة.
وقد ندد منتقدون محليون ودوليون، بهذا الاقتراح، ووصفته جماعات لحقوق الإنسان وأكاديميون ومحامون بأنه مخطط لبناء "معسكر اعتقال".
ولكن من غير الواضح إلى أي مدى يمثل ذلك المقترح توجّهاً ملموساً لدى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أو ما إذا كان مجرد أسلوب تفاوضي لزيادة الضغط على حماس في المحادثات بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
وفي ظل غياب أي خطة إسرائيلية واضحة بشأن غزة بعد انتهاء الحرب، فإن هذه الفكرة تملأ هذا الفراغ الاستراتيجي.
وأطلع كاتس مجموعة من الصحفيين الإسرائيليين على الخطة، مشيراً إلى أن "المخيّم" الجديد من المقرر أن يستوعب في البداية نحو 600 ألف فلسطيني، وفي نهاية المطاف سيستوعب كل سكان القطاع البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة.
وتتضمن خطته تولي الجيش الإسرائيلي تأمين الموقع عن بُعد، بينما تتولى هيئات دولية إدارته. وأوضح أنه سيجري إنشاء أربعة مواقع لتوزيع المساعدات في المنطقة.
وأكد كاتس مجدداً رغبته في تشجيع الفلسطينيين على "الهجرة الطوعية" من غزة إلى دول أخرى.
ولكن الاقتراح لم يحظ بالقبول أو الدعم بين كبار الشخصيات الأخرى في إسرائيل، ووفقاً للتقارير فإن الاقتراح أثار حتى صداماً بين رئيس الوزراء وقائد الجيش الإسرائيلي.
وتقول وسائل إعلام إسرائيلية إن مكتب رئيس الأركان العامة، الفريق إيال زامير، أوضح أن الجيش غير ملزم بنقل المدنيين قسراً، كما تتطلب الخطة.
وقيل إن الجنرال زامير ونتنياهو، تبادلا حواراً غاضباً خلال اجتماع مجلس الحرب الأخير.
وقال تال شنايدر، المراسل السياسي في صحيفة تايمز أوف إسرائيل، التي تمثل التيار الوسطي في إسرائيل، إن زامير سيكون في موقف قوي لأن الحكومة "توسّلت إليه عملياً لتولي منصبه" قبل ستة أشهر، وقد أيد نتنياهو تعيينه بقوة.
وليس كبار القادة العسكريين وحدهم من يعارضون الفكرة، إذ أن الاستياء كان حاضراً بين صفوف الجنود كذلك.
وقال يوتام فيلك، جندي الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، خلال مقابلة مع بي بي سي من منزله في تل أبيب: "أي نقل للسكان المدنيين هو شكل من أشكال جرائم الحرب، وهو شكل من أشكال التطهير العرقي، الذي يعد أيضاً شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية".
ويرفض الضابط السابق في سلاح المدرعات، البالغ من العمر 28 عاماً، الخدمة في الجيش بعد 270 يوماً من القتال في غزة.
ويصف نفسه بأنه وطني، ويؤكد أن إسرائيل يجب أن تدافع عن نفسها، لكن الحرب الحالية -بحسب رأيه - دون استراتيجية واضحة، ولا نهاية لها في الأفق.
ويُعدّ فيلك كذلك عضواً في منظمة "جنود من أجل الرهائن"، وهي مجموعة تدعو إلى إنهاء الحرب لضمان إطلاق سراح 50 إسرائيلياً ما زالوا محتجزين لدى حماس في غزة، ويُعتقد أن ما يصل إلى 20 منهم على قيد الحياة.
في غضون ذلك، أصدر 16 خبيراً إسرائيلياً في القانون الدولي رسالةً مشتركةً يوم الجمعة، نددوا فيها بالخطة المتعلقة بنقل سكّان غزة، واعتبروها جريمة حرب. وحثّت الرسالة "جميع الأطراف المعنية على الانسحاب علناً من الخطة، والتخلي عنها، والامتناع عن تنفيذها".
ومن غير المستغرب أن تثير الخطة استياء الفلسطينيين في غزة أيضاً.
إذ تقول صابرين، وهي نازحة فلسطينية أُجبرت على مغادرة خان يونس، لبي بي سي: "نرفض هذا الاقتراح رفضاً قاطعاً، ونرفض تهجير أي فلسطيني من أرضه. نحن صامدون وسنبقى هنا حتى آخر نفس".
وقال أحمد المغير من رفح: "الحرية فوق كل اعتبار. هذه أرضنا، ويجب أن نكون أحراراً في التنقل أينما نشاء. لماذا تُفرض علينا هذه الضغوط؟".
وليس من الواضح بعدُ مدى الدعم الذي تحظى به خطة كاتس بين عامة الناس، لكن استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت إلى أن غالبية اليهود في إسرائيل يؤيدون طرد الفلسطينيين من غزة.
وأشار استطلاع للرأي نشرته صحيفة هآرتس اليسارية، إلى أن 82 في المئة من اليهود الإسرائيليين يؤيدون مثل هذه الخطوة.
ولكن الملفت كان غياب الدعم الشعبي بين أوساط اليمين المتطرف لهذا الاقتراح، بما في ذلك الوزيرين البارزين في الائتلاف الحكومي، إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش.
وكان كلا الوزيرين من المؤيدين الصريحين لرحيل الفلسطينيين عن غزة، وعودة المستوطنين اليهود.
وقال تال شنايدر، إن الوزيرين ربما لا يزالان يدرسان تقديم دعمهما للاقتراح الخاص بإقامة "المعسكر الجماعي".
وأضاف: "ربما ينتظران معرفة ما إذا كانت الأمور جدية. سموتريتش وبن غفير عضوان في الحكومة، ولهما صلاحية الاطّلاع على النقاشات الداخلية. وربما يظنان أن هذا مجرد ضغط سياسي على حماس للجلوس على طاولة المفاوضات".
أمّا خارج إسرائيل، فقد أثار الاقتراح بإنشاء مخيم جديد لجميع سكان غزة انتقادات واسعة النطاق.
متعاقد أمني سابق في مؤسسة غزة الإنسانية لبي بي سي: زملائي فتحوا النار على فلسطينيين جوعى
ففي المملكة المتحدة، قال وزير شؤون الشرق الأوسط هاميش فالكونر على وسائل التواصل الاجتماعي، إنه "منزعج" من الخطة.
وأضاف أنه "يجب ألا تُقلّص مساحة الأراضي الفلسطينية. ويجب أن يتمكن المدنيون من العودة إلى مناطقهم. علينا أن نتحرك نحو اتفاق لوقف إطلاق النار وفتح طريق نحو سلام دائم".
وقالت المحامية البريطانية في مجال حقوق الإنسان، البارونة هيلينا كينيدي، لبي بي سي، إن المشروع من شأنه أن يجبر الفلسطينيين على الذهاب إلى "معسكر اعتقال".
وهذا الوصف الذي استخدمه منتقدون آخرون، بما في ذلك الأكاديميون والمنظمات غير الحكومية وكبار المسؤولين في الأمم المتحدة، يحمل صدى كبيراً في ضوء الدور الذي لعبته معسكرات الاعتقال خلال الهولوكوست.
وقالت البارونة كينيدي، إن الخطة - فضلاً عن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إسرائيل - دفعتها إلى الاستنتاج بأن إسرائيل ترتكب "إبادة جماعية" في غزة.
وأضافت: "كنت مترددة جداً في التوصل إلى تلك النتيجة، لأن العتبة التي يتحقق عندها ذلك الأمر يجب أن تكون مرتفعة جداً. ويجب أن تكون هناك نية محددة للإبادة الجماعية. لكن ما نراه الآن هو سلوك مرتبط بالإبادة الجماعية".
ورفضت إسرائيل بشدة الاتهامات بارتكاب إبادة جماعية، وتقول إنها لا تستهدف المدنيين.
وصرّحت وزارة الخارجية الإسرائيلية لبي بي سي، بأن "الإشارة إلى إنشاء إسرائيل معسكرات اعتقال، هي فكرة مُسيئة للغاية، وتضعها بالتوازي مع النازيين". وأضافت أن إسرائيل "ملتزمة باتفاقية جنيف"، في إشارة إلى اللوائح الدولية التي تُنظّم معاملة المدنيين في الأراضي المحتلة.
وبعيداً عن التحذيرات القاتمة بشأن ما قد يحدث، فإن احتمال إنشاء معسكر جديد له تأثير على الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في غزة.
وقالت مصادر فلسطينية مشاركة في محادثات وقف إطلاق النار الجارية في العاصمة القطرية الدوحة لبي بي سي، إن الخطة أثارت قلق وفد حماس وخلقت عقبة جديدة أمام التوصل إلى اتفاق.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
ارتفاع ضحايا القصف الإسرائيلي على رفح إلى 30 فلسطينياً و150 مصاباً
السويد والنرويج تنتقدان إسرائيل بسبب الوضع الإنساني في غزة
أرسل تعليقك