القاهرة - شيماء عصام
في تطور متسارع ينذر بتصعيد سياسي وأمني إقليمي، أعلنت مصر عن تقليص مستوى التنسيق الأمني مع إسرائيل، وإعادة هيكلة قنوات الاتصال الثنائية، على خلفية الضربة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قادة من حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة. وجاء الموقف المصري عقب معلومات استخباراتية وتحذيرات أمنية متقاطعة كشفت عن نية إسرائيل تنفيذ عمليات اغتيال مشابهة داخل الأراضي المصرية، ما دفع القاهرة إلى التحذير الصريح من أن أي خرق من هذا النوع سيُعتبر "إعلان حرب" وانتهاكًا مباشرًا للسيادة الوطنية.
الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، الذي وقع الثلاثاء الماضي، استهدف مبانٍ قالت إسرائيل إنها تأوي قادة بارزين في حركة حماس، في عملية وُصفت في الإعلام العبري باسم "قمة النار". وأسفر الهجوم عن مقتل نجل القيادي البارز في الحركة خليل الحية، إلى جانب مدير مكتبه وعدد من المرافقين، بينهم عنصر من قوات الأمن القطرية. وأثارت الغارة موجة من التنديد الإقليمي والدولي، خاصة بعد إعلان حماس نجاة كبار قيادييها من الغارة، بمن فيهم خليل الحية نفسه، الذي أكدت الحركة لاحقًا أنه لا يزال على قيد الحياة وقد شارك في صلاة الجنازة على نجله في الدوحة وفق ترتيبات أمنية.
مصادر مصرية رسمية كشفت عن إحباط محاولات إسرائيلية سابقة لاستهداف قادة من حماس داخل العاصمة المصرية القاهرة، وأكدت أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المصرية كانت قد تصدت لمحاولة مشابهة في وقت سابق خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، التي استضافتها القاهرة، دون الكشف عن أسماء القيادات المستهدفة أو تفاصيل وجودهم في البلاد.
وبحسب ما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، فإن مسؤولين مصريين وأتراك كانوا قد أبلغوا قيادات حماس في الدوحة خلال الأسابيع الأخيرة بوجود تحذيرات جدية من هجوم وشيك، ونصحوهم بتكثيف الإجراءات الأمنية حول أماكن إقامتهم. وأشارت الصحيفة إلى أن التحذيرات جاءت في إطار الجهود التي تبذلها القاهرة وأنقرة لضمان استمرار الوساطة في ظل تصاعد التوترات، إذ يلعب البلدان دورًا رئيسيًا في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس.
وفي السياق ذاته، نقلت القناة 14 العبرية المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن تل أبيب تعتقد أن عملية "قمة النار" فشلت جزئيًا بسبب تسريب معلومات مسبقة من جهات دولية، وعلى رأسها مصر وتركيا، الأمر الذي مكّن قادة حماس من تفادي الاستهداف المباشر.
من جهته، صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستواصل ملاحقة قادة حماس "في أي مكان وزمان"، داعيًا الدول المستضيفة لهم إلى طردهم أو تسليمهم. لكن الرد المصري جاء حازمًا، عبر تصريحات أمنية أكدت أن المجال الجوي المصري لم يُستخدم في الهجوم، وأن أنظمة الدفاع الجوي في سيناء قادرة على رصد أي اختراق، مشددة على أن التنسيق مع واشنطن لم يشمل أي موافقة على العملية.
التوتر بين القاهرة وتل أبيب تصاعد أيضًا بسبب قلق مصري متزايد من نوايا إسرائيلية لنقل مسؤولية إدارة قطاع غزة إلى مصر، سواء بشكل مباشر أو عبر سيناريوهات تهجير جزئي للفلسطينيين نحو سيناء، وهو ما ترفضه القاهرة بشدة، وقد دفعت هذه المخاوف السلطات المصرية إلى تعزيز قواتها على الحدود مع القطاع في أغسطس الماضي، عبر نشر عشرات الآلاف من الجنود.
ويرى محللون أن الموقف المصري الحازم لا يعكس دفاعًا عن حركة حماس بقدر ما يعبر عن حرص القاهرة على حماية دورها الإقليمي كوسيط موثوق في الملف الفلسطيني، في وقت تواجه فيه منافسة متصاعدة من قطر، التي باتت تلعب دورًا أكبر في جهود التهدئة مع حماس. كما أن أي عملية اغتيال داخل الأراضي المصرية، بحسب تقديرات سياسية، ستشكل ضربة لمصداقية مصر ومكانتها في المعادلات الإقليمية، ولن تمر دون تبعات سياسية وأمنية.
في المحصلة، تشير جميع المؤشرات إلى أن الغارة على الدوحة لم تحقق أهدافها الكاملة، في وقت تتحرك فيه مصر وتركيا لحماية توازن هشّ في المنطقة، يحول دون انفجار واسع قد يعصف بجهود التهدئة برمتها، ويعيد خلط الأوراق بين الأطراف الفاعلة في الصراع.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
ارتفاع ضحايا القصف الإسرائيلي على رفح إلى 30 فلسطينياً و150 مصاباً
السويد والنرويج تنتقدان إسرائيل بسبب الوضع الإنساني في غزة
أرسل تعليقك