بعد مرور قرابة العامين على انطلاق العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش" ، عقب تشكيل تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، بدأ أولى ضرباته في 19 سبتمبر/أيلول 2014، أصبح التنظيم المتشدد يواجه ظروفا هي الأصعب منذ انطلاقه، فبات يخسر كثيرا من مناطق سيطرته واحدة تلو الأخرى، سواء في العراق أو سورية مع اشتداد المعارك هناك.
وعرض تنظيم داعش للمرة الأولى هيكل خلافته المزعومة، خصوصا في سورية والعراق “مقر الخلافة”، من خلال إصدار بعنوان “صرح الخلافة”، وقال التنظيم: “دولة الخلافة تتكون من 35 ولاية متوزعة في عدة دول، 19 منها في سورية والعراق، و16 في دول أخرى”، منوّهًا إلى أهمية “مجلس الشورى” الذي يقوم بعمل أمير التنظيم في كثير من الأحيان.
وأفاد التنظيم أن ولاياته في العراق وسورية هي: “بغداد، الأنبار، صلاح الدين، الفلوجة، ديالى، شمال بغداد، الجنوب، نينوى، كركوك، دجلة، الجزيرة، البركة، الخير، الرقة، دمشق، حلب، حمص، حماه، الفرات”. إضافة إلى نجد، والحجاز، وسيناء، وبرقة، وطرابلس، وفزان، والجزائر، وغرب أفريقية، واللواء الأخضر، وخراسان، والقوقاز، وعدن أبين، وشبوة، وحضرموت، وصنعاء، والبيضاء”.
وأكد مدير مركز المقريزي للدراسات في لندن، المتخصص في الحركات المتطرفة، د. هاني السباعي، في تصريحات صحافية، أن التنظيم يتكلم عن طموحاته كخلافة وضعها ضمن واقعية السيطرة، حيث إنه ذكر مناطق ضمن مناطقه ليس له أي وجود فعلي بها، مثل حلب المقسمة بين سيطرة المعارضة والنظام، واعتبارها ولاية له، يشعرنا أنه لا يوجد سيطرة لغيره عليها، الأمر نفسه ينطبق على دمشق وكركوك ومناطق أخرى خسرها بالكامل، مثل الفلوجة.
ووصف السباعي “خلافة البغدادي” بأنها: “ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد”، مشيرًا الى أن قيادات “داعش” بعد أن انحصروا تلقوا ضربات قاتلة في سورية والعراق، وكثر المنشقون بينهم بالمئات، وكانوا يروجون لخلافة مزعومة وولايات غير موجودة على الأرض، ولمح إلى أن التنظيم إلى نهاية، حتى إن استمر سنتين أو ثلاثة أو على أقصى تقدير 5 سنوات، فهو يحارب العالم أجمع، جيوش على الأرض ودعم جوي لم تواجهه طالبان في أفغانستان بهذه الطريقة، ورجّح أن يكون التنظيم تقلص لنصف ما كان يسيطر عليه، وهو ما أكدته وزارة الدفاع البريطانية، وقال إن هناك فرقا شاسعا بين المأمول الذي يتمناه “داعش” والواقع، مشيرا إلى أن قيادات “داعش” الأربعين من العراقيين من حزب البعث قد قتلوا.
وأوضح الإسلامي المصري أن قيادات “داعش” يلجأون إلى إصدار هوليوودي مثل “صرح الخلافة” كلما عانوا من مصاعب على الأرض، “لدغدغة مشاعر أنصارهم ومتابعيهم حول العالم بزعم أن التنظيم قوي، وهو نوع من الإفلاس، في حين أن قيادات مجلس الشوري، الذين لا يعرفهم أحد، هاربون تحت الأرض”، مشيرًا الى أنه على حد علمه “مجلس شورى التنظيم، من مجاهيل حزب البعث العراقي، ولا يوجد بينهم إمام أو عالم أو شيخ معمم، له اسم معروف”، مشيرا إلى أنه هناك فرق بين أهل الحل والعقد، من أهل الإسلام، ومجاهيل جماعة “داعش” الإرهابية.
وتساءل أصوليون في لندن عن أن “داعش” التي تشارك إيران الحدود أو قريبة منها، لم توجه طلقة واحدة إلى ملالي قم أو إيران أو حتى إسرائيل حتى الآن، ولكن أياديهم ملطخة بالدماء والغدر في هجماتهم الإرهابية ضد بلاد الحرمين وتركيا وبنغلاديش وباقي الدول الإسلامية، وأشار السباعي إلى أن للتنظيم سيطرة محدودة في ديالى مثل الفلوجة، منوها أن “إعلان الهيكلة جاء من أجل رفع الروح المعنوية لمقاتليه وحتى يقول إن لدولته معالم واضحة، 35 ولاية داخل سوريا والعراق و19 خارجها، رغم أن التنظيم ليس له وجود واضح سوى في سيناء ونيجيريا وليبيا”، مشيرين الى أن “التنظيم ذكر في إصدار (صرح الخلافة) ولايات وهمية، مثل (البركة والخير) غير معروف أين هي على الخريطة وكل ذلك من أجل رفع الهمم”.وبيّن السباعي أن في الفترة الأخيرة لم يعد للتنظيم تحركا عمليا منظما، و”كل العمليات الأخيرة عشوائية لإثبات الوجود مثل عمليات بنغلاديش والكرادة في العراق، التي قتل فيها 220 عراقيا ليعلن فقط أنه موجود رغم أن الأفضل له عسكريا قتل جنود والسيطرة على منطقة في بغداد ولكن هذا لا يحدث”.
وكشف “داعش” بعض ملامح العمل التنظيمي داخل خلافته خلال إصدار “صرح الخلافة” مفيدا بأن “مجلس الشورى” يقوم بعمل أمير التنظيم في كثير من الأحيان، مبينا أن دور “مجلس الشورى” مساعدة “الخليفة”، وأن أعضاء هذا المجلس يتسمون بـ”الدراية، وحسن التدبير، والعلم، والصلاح”، وأوضح الشريط المنشور أن هيئاته ومكاتبه الرسمية هي: “هيئة الهجرة، وهيئة شؤون الأسرى والشهداء، ومكتب البحوث والدراسات، وإدارة الولايات البعيدة، وكاتب العلاقات العامة والعشائر”.وبالنسبة إلى دواوين التنظيم، التي تقوم بعمل الوزارات، فهي: “ديوان القضاء والمظالم، ديوان الدعوة والمساجد، وديوان الجند، وديوان بيت المال، وديوان التعليم، وديوان الزراعة، وديوان الفيء والغنائم، وديوان الحسبة، وديوان الزكاة، وديوان الأمن العام، وديوان الإعلام المركزي، وديوان الصحة، وديوان الزكاة، وديوان الخدمات”.
ونوّه “داعش” إلى أن “دور أبو بكر البغدادي هو أن يحمل الناس على الالتزام بأحكام الشرع، ويطبق الحدود، ويقيم الدين وينشره، ويجهز الجيوش، ويحصن الثغور، ويحمي البيضة”.في حين قال التنظيم إن دور “مجلس الشورى” هو مساعدة “الخليفة”، مشيرا إلى أن أعضاء هذا المجلس يتسمون بـ”الدراية، وحسن التدبير، والعلم، والصلاح”، وأوضح أن “اللجنة المفوضة تشرف على الدواوين، والهيئات والمكاتب، والولايات”.وخلص الإصدار إلى أنّ التنظيم باق، قائلا إنه “قبل الخلافة كان أهل الإسلام همجا مضاعين، والفوضى تغشاهم، فضاع الدين وسلب الحمى”، وبعد إعلان الخلافة “أنبتت الأرض وسار الركب وعاد الدين وذيد عن الحياض”.
وتقوم استراتيجية داعش في استقطاب أعضائه، خصوصاً من النشئ والشباب، على الجوانب النفسية بشكل أساسي، وذلك من خلال الاعتماد في خطابه على تلبية الاحتياجات الرئيسية للإنسان والتي تحدث عنها علماء النفس، مثل أبراهام ماسلو وغيره، بل إن بعض علماء النفس يشير إلى أن داعش يعتمد في الاستقطاب على العامل النفسي أكثر من العامل الديني، حيث يشكك الدكتور كروغلانسكي (Kruglanski) أستاذ علم النفس في جامعة ماريلاند في الولايات المتحدة الأميركية، وأحد مؤسسي المركز الوطني للتميز في دراسة الإرهاب والتعامل معه، في أن المعركة الحقيقية التي تدور حول عقول المتحمسين لـ “داعش” وقلوبهم يمكن كسبها بالاعتماد على مرتكزات دينية فقط، إذ إن استراتيجية “داعش” في الاستقطاب تقوم في الغالب على أسس نفسية وليست دينية كما يقول، ومن هنا فإن التناول يجب أن يكون نفسياً لدرجة كبيرة.
وفي ما يلي بعض الاستراتيجيات ذات الأبعاد النفسية التي يستخدمها “داعش” في الاستقطاب:
توفير أجوبة لتساؤلات حائرة (الإغلاق المعرفي): من أهم الحاجات النفسية عند الإنسان الحاجة إلى الإغلاق المعرفي (Cognitive Closure) التي تشير إلى الحاجة للابتعاد من حالة عدم اليقين (Uncertainty) والغموض التي تؤدي بالإنسان إلى التوتر والقلق والتنافر المعرفي (Cognitive Dissonance)، والحاجة للوصول إلى حالة يكون فيها نوع من يقين الشخص حول مستقبله: ماذا سيعمل، وإلى أين سيذهب، وماذا سيقدم في حياته.
ويربط كروغلانسكي بين الحاجة إلى الإغلاق المعرفي والتطرف، حيث يشير إلى أن الأوضاع الحالية التي يعيشها العالم تزيد في حاجة كثير من الناس إلى الإغلاق المعرفي وتوفير إجابات مقنعة حول ما يجري، ما يؤدي بهم إلى حالة من عدم اليقين، تدفعهم للبحث عن تفسيرات مقنعة وإلى الحصول على الجواب، هنا تأتي الجماعات المتطرفة، ومنها “داعش”، بتوفير أجوبة قطعية (أسود أو أبيض) مباشرة لتلك التساؤلات، وتعِدُ بحلول سريعة للمشكلات التي تواجه الأفراد والمجتمعات و “الأمة” بشكل عام، حيث تربط أجوبتها والحلول التي تقدمها مباشرة بين السبب والنتيجة، وتُشعر الناس بأنه في إمكانهم توقع المستقبل والتأثير فيه والتحكم به، وبغض النظر عن صحة الأجوبة التي تقدم، إلا أن تأثيرها على الناس كبير، فهي تنقلهم من حالة عدم اليقين وما يصاحبها من قلق وتوتر إلى حالة أخرى يشعرون بارتياح أكثر فيها، فـ “داعش” بهذا يقدم صورة أكثر وضوحاً للعالم، يستطيع الأشخاص (وخصوصاً النشء والشباب) فهمها وتبنّيها بسهولة، كما أنه يقدم لهم خيارات ويعدهم بحلول لمشكلاتهم ومشكلات مجتمعاتهم وأوطانهم وأمتهم.
ويشير كروغلانسكي إلى مجموعة من الأبحاث التي وجدت أنه كلما زادت الحاجة إلى الإغلاق عند الشخص زاد التطرف، هذه النتيجة تم التوصل إليها في دراسات أجريت في دول عدة، منها المغرب وفلسطين وإسبانيا والفيليبين وإرلندا الشمالية وسيريلانكا، بل إن الدراسات وجدت أن الأشخاص الذين يتوقون للإغلاق بشكل كبير يحملون أفكاراً متطرفة يصاحبها انتقاص وازدراء للأشخاص الذين لا يشاركونهم أفكارهم والشعور بأن لديهم مبررات أخلاقية لتحطيمهم بأي طريقة.
أرسل تعليقك