تشغيل الشباب وثقافة العمل بوابة النهوض التنموى

تشغيل الشباب وثقافة العمل.. بوابة النهوض التنموى

تشغيل الشباب وثقافة العمل.. بوابة النهوض التنموى

 العرب اليوم -

تشغيل الشباب وثقافة العمل بوابة النهوض التنموى

بقلم: أحمد السيد النجار

تظل قضية تشغيل أو بطالة الشباب واحدة من أهم القضايا الاقتصادية-الاجتماعية-السياسية. وهناك سلة من الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإيجابية في حالة ارتفاع مستوى تشغيل الشباب والسلبية في حالة بطالتهم. وتعقد الهيئة العامة لقصور الثقافة مؤتمرها السنوي الذي شرفتني برئاسته والذي يفتتح اليوم تحت عنوان «ثقافة عمل الشباب وعلاقتها بالتنمية» برعاية وزارتي الثقافة والشباب، وبمشاركة نخبة متميزة من الباحثين والمفكرين. وأهمية هذا المؤتمر تنبع من أن أسوأ ما أصاب مصر والمنطقة العربية هو تراجع قيمة العمل لصالح قيم الربح بدون عمل والفهلوة والاحتيال لتحقيق الثروات بصور غير مشروعة.

وهذا الواقع المرير يجعلنا نؤكد أمرا بديهيا هو أن الأمم تبنى وتتقدم بالعلم والابتكار والعمل. ويشغل عمل الشباب مكانة مركزية في هذا الشأن، ففي سن الشباب تتجلى طاقة الحماس للعمل والأفكار المتوهجة واللامعة والاختراعات في صورتها الأولية. أما تعميق وتأصيل الأفكار وتطوير الاختراعات وتحويلها لتقنيات إنتاجية فيحتاج فريق عمل ومزيجا من حماس وتوهج الشباب مع الخبرة المتراكمة لدى الأجيال الأكبر سنا.

ومن المؤكد أن النماذج الرديئة لمن تربحوا وأصبحوا من أثرى الأثرياء بصورة فاسدة قد ساهمت في ترويج القيم المشوهة للربح بدون عمل والاحتيال والإثراء من الأنشطة غير المشروعة. وكان أولئك قد استفادوا من قربهم من السلطة بشراء الشركات العامة المطروحة للخصخصة بأسعار بالغة التدني في صفقات فساد مروعة. كما استفادوا أيضا بالحصول على عقود الأعمال العامة بصورة تنطوي على المحاباة غير القانونية، فضلا عن المصدر الكبير للثراء بالحصول على أراض للتنمية الزراعية والصناعية والخدمية بأسعار بالغة التدني. كما قام البعض منهم بتحويل أراضي التنمية الزراعية إلى تنمية عقارية لتحقيق أرباح استثنائية دون ردع من الدولة أو حصولها على حقوقها عن هذا التغيير في النشاط الذي خصصت الأرض من أجله. وهناك نماذج رديئة أخرى اعتمدت في تكوين ثرواتها الضخمة على الأنشطة غير المشروعة في الاتجار بالمخدرات والآثار والسلاح والأعضاء البشرية وغيرها من الأنشطة غير القانونية.

لكن بالمقابل هناك نماذج مكافحة كونت ثرواتها من العمل والكد والاجتهاد والعلم والابتكار. وهى نماذج تنتصر لقيمة العلم والعمل وهى التى يمكنها المساهمة فى النهوض الحقيقى لمصر مثلما فعل نظراؤها فى البلدان الأخري. وهى أيضا التى تقدم للشباب نموذجا لتحقيق الإنجاز بالعمل والعلم والكفاح.

ومصر والمنطقة العربية أحوج ما تكون لتطوير هذه الثقافة كأساس للنهوض والتطور ولتكوين جيل جديد من أصحاب الأعمال الشباب الذين ترتكز نجاحاتهم على العلم والعمل وليس على المحسوبية والفساد والأنشطة غير المشروعة. ومن الطبيعى أن يبدأ هذا التكوين بأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة والتعاونية، لكنهم مع تراكم الخبرة والنجاح قد يفرزون عددا من كبار أصحاب الأعمال الذين تقوم أعمالهم على العلم والعمل.

وللعلم فإن المنطقة العربية مبتلاة بأعلى معدلات البطالة السافرة فى العالم. وتلك البطالة المنتشرة على نطاق واسع ومعقد تعنى أن هناك قصورا طويل الأجل فى توفير الوظائف الحقيقية، وأن ما يتم إتاحته من وظائف لا يتناسب مع النمو فى قوة العمل. ورغم أن الدولة والقطاع الخاص بكل أحجامه هما مصدر خلق الوظائف الجديدة، إلا أن الحكومة وسياساتها الاقتصادية العامة هى المسئولة عن توفير الوظائف سواء بصورة مباشرة لدى الدولة، أو من خلال تبنى السياسات الكفيلة بتنشيط الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية الجديدة بكل أحجامها وأنواعها والتى تسهم فى توفير الوظائف.

وفوق تلك البطالة السافرة أو المباشرة، هناك أنماط أخرى من البطالة أسوؤها البطالة المقنعة والبطالة الفنية. والبطالة المقنعة ناتجة عن تكديس أعداد ضخمة من «العاملين» بلا عمل أو وظائف حقيقية فى الأجهزة الحكومية والمحليات بصفة خاصة. أما البطالة الفنية فهى وجود فائض من حاملى التخصصات والمهارات غير المطلوبة لسوق العمل فتنتشر البطالة بينهم، ونقص فى حاملى التخصصات والمهارات التى تحتاجها سوق العمل والذين يوجد طلب على خدماتهم دون أن تتمكن سوق العمل من الحصول عليها. وهذا النوع من البطالة يعكس الخلل والانفصام بين النظام التعليمى والجهاز الإنتاجى وضعف دور الدولة التى من المفترض أن تملك الرؤية الكلية وتقوم بالتنسيق بين مخرجات النظام التعليمى ومتطلبات الجهاز الإنتاجي.

إن إيجاد الوظائف للشباب وما يعنيه من توظيف طاقاتهم الكبيرة فى أفضل سنوات قدرتهم على العمل والكد والإنتاج، وما يعنيه أيضا من رفع معدل المشاركة الاقتصادية للمواطنين، يسهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تمكين البشر من كسب عيشهم بكرامة من خلال عملهم بما يسهم فى الاستقرار الاجتماعى والسياسى القائم على التراضى وليس على التسلط. وعلى العكس من ذلك فإن البطالة تعد ظاهرة رئيسية مغذية للتطرف السياسى والعنف الجنائى وضعف الانتماء. وكل ما سبق يؤكد الأهمية الكبرى لمعالجة قضية البطالة لكل الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية المرتبطة بها. كما يؤكد أيضا أهمية استعادة وتعميق قيم العمل لدى المجتمع عموما والشباب خصوصا كبوابة للتنمية والتطور للمجتمع والأفراد.

وتشير بيانات البنك الدولى فى تقريره عن مؤشرات التنمية فى العالم والمأخوذة من بيانات رسمية مصرية إلى أن معدل البطالة فى عام 2014 قد بلغ نحو 13.2% فى مصر. وتشير البيانات الرسمية إلى أن المعدل يبلغ فى الوقت الراهن نحو 13%. وتبلغ بطالة الرجال نحو 9% من قوة العمل من الرجال. أما بطالة النساء فبلغت نحو 28% من قوة العمل النسائية. وهذه البيانات تشير إلى أن هناك تحيزا نوعيا ضد المرأة فى سوق العمل المصرية سواء بسبب طبيعة الأعمال المطلوبة للسوق، أو للتحيز من أصحاب الأعمال ضد المرأة فى ظل انتشار بعض الأفكار البعيدة عن التحضر والمساواة والتى تتخذ موقفا سلبيا من عمل المرأة. وهذا التحيز غير مقبول نهائيا فى بلد علم الدنيا قواعد احترام المرأة والمساواة الإنسانية بين المرأة والرجل.

وفيما يتعلق ببطالة الشباب تشير البيانات إلى أن معدل البطالة بين الشباب (الذكور) الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة يبلغ 33% من قوة العمل فى هذه الفئة العمرية. أما البطالة بين الإناث فى هذه الفئة العمرية فتبلغ 65% فى مصر. وهذا البيان يؤكد بدوره عمق الفجوة النوعية والتحيز ضد المرأة فى سوق العمل.

وتؤكد البيانات الرسمية أن الغالبية الساحقة من العاطلين هى من خريجى النظام التعليمي، حيث يشكل خريجو الجامعة نحو 31% من مجموع العاطلين فى مصر. ويشكل خريجو المدارس الثانوية نحو 47% من العاطلين، بينما يشكل خريجو المدارس الابتدائية نحو 4% من إجمالى العاطلين فى مصر. أى أن مجموع العاطلين من خريجى النظام التعليمى يبلغ نحو 82% من مجموع العاطلين فى مصر.

وهناك أفكار متنوعة لمعالجة مشكلة البطالة فى مصر بصفة عامة وبطالة الشباب بشكل خاص. وتتركز تلك الأفكار فى زيادة مخصصات الاستثمار فى الموازنة العامة للدولة، وتوجيهها إلى الاستثمار الصناعى والزراعى والخدمى لرفع معدل الاستثمار الضرورى لتوسيع الجهاز الإنتاجى من جهة، ولخلق أعداد كبيرة من فرص العمل الحقيقية من جهة أخري. كما يتطلب الأمر تكوين هيئة قومية لرعاية المشروعات الصغيرة والتعاونية، يكون لها إدارة مركزية بالقاهرة وفروع إقليمية فى محافظات ومراكز وحتى قرى مصر. وهذه الهيئة من المفترض ان تساعد الراغبين فى إقامة مشروعات صغيرة وتعاونية من الشباب بصفة خاصة فى اختيار مجال العمل وإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية وتوفير التمويل الميسر وضمان التزام تلك المشروعات بالمواصفات القياسية لضمان التسويق الداخلى والخارجى لمنتجاتها، وربط البعض منها بمشروعات كبيرة لتنتج سلعا وسيطة أو نهائية لها، وربطها بسلاسل تجارية أيضا لضمان تسويق الإنتاج واستمرارية المشروع.

كما أن هناك ضرورة لرفع مستوى تعليم وتدريب قوة العمل، وتقليص الإجراءات البيروقراطية المعوقة للأعمال والتى تفتح الباب عادة للفساد، وضمان حقوق الملكية الفكرية، والرقابة الصارمة للمواصفات القياسية لضمان التنافس العادل بين المنتجين للسلع المتشابهة. والحفاظ على العلاقات المنفتحة اقتصاديا مع العالم، والعمل على جعلها عادلة ومتكافئة ومتوازنة. والسعى لعقد اتفاقيات مع جهات إقليمية ودولية لديها النية والعزم لمساندة جهود مصر من أجل مكافحة البطالة والفقر.

ويحمد أيضا لهذا المؤتمر تركيزه على تنمية مناطق الحدود، وتوفير فرص العمل للشباب فيها الذى انعكس فى الأوراق القيمة المقدمة فيه.

وتعتبر تنمية المناطق الحدودية بصورة عادلة ومتوازنة مع باقى أقاليم الدولة آلية رئيسية للتكامل الوطنى من جهة، ولدعم الأمن القومى من جهة أخري، عبر أعمق دمج لهذه المناطق وأبنائها فى نسيج الشعب وعموم الوطن. وبما أن أى عملية تنموية ترتبط بوجود البشر بصورة طبيعية أو بنقلهم للمناطق الخاوية أو الخفيفة السكان، فإن تنمية المناطق الحدودية تربط سكان تلك المناطق بأراضيهم، وفى حالة انخفاض كثافة السكان فيها، فإن عملية التنمية الصناعية والزراعية والخدمية بناء على الموارد الموجودة فعليا، تتطلب نقل كتلة أخرى من السكان إلى تلك المناطق من باقى أقاليم الوطن. وهذه الرؤية العامة لمناطق الحدود تنطبق على مصر شأنها شأن اى دولة أخري. وتبلغ مساحة المحافظات الحدودية فى مصر نحو 787 ألف كيلومتر مربع، تشكل نحو 79% من إجمالى مساحة جمهورية مصر العربية، بينما يبلغ عدد سكانها نحو 1.9% فقط من عدد سكان مصر. وهذا يعنى أن الغالبية الساحقة من مساحة تلك المحافظات، غير مأهولة بالسكان، وهو وضع يساعد على جعلها مناطق رخوة بالنسبة للأمن القومى المصرى باعتبار أن هذا الفراغ يجعلها معبرا محتملا لكل أشكال التجارة غير المشروعة.

وتزخر تلك المحافظات بالموارد الطبيعية التى يمكن أن تشكل أساسا للتطور الصناعى والزراعى والسمكى والحيواني. وباستثناء محافظة الوادى الجديد، فإن المحافظات الحدودية فى مصر تملك شواطئ طويلة على البحرين المتوسط والأحمر وخليجى السويس والعقبة، وهى شواطئ تم النظر لها دائما بمنطق الاستثمار السياحى وفقط، رغم أنها يمكن أن تشكل بالإضافة إلى ذلك التوظيف السياحى المهم للغاية، موقعا ممتازا للاستزراع السمكى البحري، علما بأن الاستزراع السمكى فى البحار ينتج أسماكا أعلى نوعية وغير ملوثة، وهو النمط السائد عالميا فى الوقت الراهن. وسوف يرتبط بهذا الاستزراع السمكى عدد من الصناعات مثل تجهيز وتعليب الأسماك وتصنيع المعدات الخاصة بالمزارع السمكية التى يمكن أن تنمو وتتطور فى تلك المحافظات وتسهم فى تطور الصناعة فيها وتوفير فرص العمل لمواطنى وشباب تلك المحافظات ولمواطنين من محافظات أخري.

كذلك فإن الثروة المعدنية والمحجرية المصرية تتركز بصورة أساسية فى المناطق الصحراوية وقسم مهم منها فى المحافظات الحدودية التى يمكن أن تكون موقعا ملائما لتطوير استخراج وتصنيع تلك الخامات مثل الحجر الجيرى والطفلة وهما الخامتان الرئيستان لصناعة الأسمنت، والزلط والجبس والتلك والفوسفات والأحجار والرخام والجرانيت والسربنتين والرمال الزجاجية والرمال السوداء والمنجنيز والكوارتز والدولوميت والملح والفلسبار والكاولين والموليبدنم والرصاص والقصدير والزنك والفحم وغيرها من الخامات المعدنية والمحجرية. وهذا الاستخراج والتصنيع للخامات المعدنية والمحجرية يمكن أن ينشر التنمية الاقتصادية فى ربوع تلك المحافظات ويرفع مستوى تشغيل قوة العمل عموما والشباب خصوصا فيها، ويجذب المزيد من سكان باقى المحافظات إليها لتحسين التوزيع السكانى على خريطة مصر.

ولا تقتصر التنمية وإيجاد فرص العمل للشباب على التصنيع والاستزراع السمكى فى البحار، بل توجد أيضا فرص كبيرة للتنمية الزراعية الحديثة والمتطورة وتطوير قطاع تربية الماشية وما يرتبط بكليهما من صناعات فى العديد من محافظات الحدود وبخاصة فى الوادى الجديد وشمال سيناء ومطروح حيث تتوافر الأرض والمياه الجوفية فى الوادى الجديد ومطروح. وتتوافر مياه المطر فى مطروح وشمال سيناء. كما يمكن نقل كميات من مياه النيل لسيناء عبر ترعة السلام للمساعدة فى زراعة ما يقرب من نصف مليون فدان فى وسط وشمال سيناء. ومن البدهى أن تربية الماشية فى تلك المحافظات سترتبط بناتج العمليات الزراعية وما تقدمه من أعلاف خضراء أو جافة لهذا الغرض. كما أن هناك إنتاجا زراعيا كبيرا من الزيتون والتمر وبعض الفواكه مثل العنب والتين فى تلك المناطق ويمكن لعمليات تجهيزها وتكييسها وتصنيعها أن تسهم فى إيجاد فرص عمل للشباب، وأن تكون مدخلا لتحسين الدخول ورفع مستويات المعيشة فى تلك المحافظات.

وختاما فإن هذا المؤتمر يحتاج لمتابعة فعالة من السلطة التنفيذية لفرز المقترحات المقدمة فيه وتحويل ما تراه ملائما إلى واقع مادى ملموس لمساندة الشباب فى الحصول على فرص حقيقية للعمل، أو فى تأسيس أعمال صغيرة ومتوسطة وتعاونية تكون رافدا للنمو والتطور الاقتصادى وتحسين مستويات الدخول وتحقيق الاستقرار السياسى والأمنى القائم على التراضى فى مصر.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تشغيل الشباب وثقافة العمل بوابة النهوض التنموى تشغيل الشباب وثقافة العمل بوابة النهوض التنموى



الملكة رانيا بإطلالات شرقية ساحرة تناسب شهر رمضان

عمان ـ العرب اليوم

GMT 11:33 2024 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب المغرب

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب شمالي تشيلي

GMT 15:01 2024 الأحد ,24 آذار/ مارس

مبابي يلمح لحسم انتقاله إلى ريال مدريد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab