تقدم «داعش» ضرورة حتى تنضج خريطة الدويلات

تقدم «داعش» ضرورة حتى تنضج خريطة الدويلات؟

تقدم «داعش» ضرورة حتى تنضج خريطة الدويلات؟

 العرب اليوم -

تقدم «داعش» ضرورة حتى تنضج خريطة الدويلات

جورج سمعان

الحرب على «داعش» تتعثر. بل إن التنظيم يحقق مكاسب في العراق وسورية. هناك أسباب كثيرة وراء فشل الخطة التي اعتمدها التحالف الدولي - العربي وجميع المعنيين باحتواء «الدولة الإسلامية» ومن ثم القضاء عليها. وخسارة الرمادي أكبر من «نكسة» أو «تراجع تكتيكي» للتحالف، كما يحلو للقيادة الأميركية أن تصف هذا التطور. إنها خسارة في الاستراتيجيا. المعنيون الدوليون والإقليميون لم يغفلوا العامل السياسي وأثره في مجريات الحرب. إدارة الرئيس باراك أوباما وشركاؤها اشترطوا وجوب التغيير السياسي في بغداد وهذا ما حصل. واشترطوا تصحيح الأوضاع في الحكومة. فكان لهم رئيس جديد، وحكومة لم يغب عنها ممثلو معظم القوى والمكونات. لكن هذا لم يتعد الصورة أو الشــكل. ما حصل فعلياً ولا يزال هو تردد الحكومة المركزية. رئيس الوزراء حيدر العبادي لم يستطع الوفاء بالتزاماته لإحياء اللعبة السياسية واستـــعادة الثقة في صفوف السنة. وقوى التحالف الشيعي كانت حاضرة ومستنفرة دائماً في البرلمان وفي الوزارة. كما أنه لم يف بالــتزاماته تسليح العشائر في المحافظات الشمالية والغربية. في حين تعاظم دور قوات «الحشد الشعبي» الذي يأتمر جل قادتها بأوامر «الحرس الثوري» الإيراني.

لم تستطع حكومة العبادي تسليح العشائر السنية على رغم كل وعودها. حكمتها مخاوف من انتقال السلاح إلى حركات التطرف. وقد حملها زعماء الأنبار المسؤولية عن المكاسب التي يحققها «داعش». وواضح غياب الـــثقة بين الــــطرفيــــن. وما يعزز ذلك شكـــوك تحوم حول أسباب انسحاب قوات الجيش من الرمادي. تساءل بعضهم هل هناك خطة رسمت من أجل وضع الجميع أمام خيار وحيد هـــو اللجوء إلى «الحشد الشعبي» منقذاً وحيداً؟ إذا صح الأمر فإن نفوذ الإيرانيين سيتقدم مع الميلـــيشيات إلى مواقع جديدة في العراق. وسيــصبح معظم البلد تحت هيمنتهم. ويتقلص الحضور العربي أو النفوذ الخليجي تحديداً. لم يتعلم الــــقائمون في بغداد من تجربة «القاعدة» أو ربما هناك استراتيجية غير معلنة تدفع بالأوضاع نحو مآلات أخرى. «دولة أبي مصعب الزرقاوي» هزمت عسكرياً بعد مقتله عام 2006. لكنها لم تكن هزيمة حاسمة ونهائية. العوامل الســـياسية التي استنهضت هذه الحركات بقيت تتــفاعل تحـــت الرماد. حكومة نـــوري المــالكي أخلت بوعودها لأهل السنة ولم تحتضن أو تستوعب «الصحوات» التي كانت وراء هزيمة التنظيم. لذلك كان سهلاً انبعاث «دولة البغدادي» بنسخة أو تركيبة مختلفة عن سابقتها، تضم خليطاً واسعاً من قوى خارجية، ومحلية في صفوف ضباط وحزبيــون سابقون في البعث، وزعماء عشائر خذلتهم الحكومة المركزية وحــاربتهم فضاقت بهم السبل، إضافة إلى مجموعات كبيرة من القوى التي أثارها ويثيرها التمدد الإيراني، ويقلقها التقارب بين طهران وواشنطن.

المسار الذي دفعــت إليه الحــرب على «داعش» يعزز الـــعوامل السياسية وراء انتشاره. مثـــلما يعزز الصراع المذهبي في العراق والإقليم كله. كان رهان التحالف الدولي - العربي على قوة برية لا بد منها لاحتوائه ثم دحره. كان الرهان على قوات الجيش. وهو ما دفع أمـــيركا إلى التركيز على الساحة العراقية قبل السورية بانتظار أن يتوافر في هذه شريك مقبول. لكن هذا الجيش أثبت في معركة الرمادي أنه دون الطموحات التي علقت عليه. تكرر في هذه المدينة ما حصل في الموصل. والنتيجة الخطيرة أن حكومة العبادي وإدارة الرئيس باراك أوباما باتتا أمام خيار وحيد: التعاون والتفاهم مع قوات «الحشد الشعبي» من أجل قتال «داعش» ميدانياً. وهذا ما كانت واشنطن تتحاشاه، لذلك اشترطت أن تكون هذه القوات تحت إمرة العبادي. وحتى لو تم له ذلك فإن قيادته ستكون شكلية. قادة هذه القوات يتلقون بمعظمهم العون والدعم والمشورة والأوامر من «الحرس الثوري».

لكن هذا الخيار يشكل بوجهه الآخر وصفة لتأجيج الصراع المذهبي. أي بمعنى آخر، يشكل دافعاً لتمسك مجاميع سنية واسعة بهذا التنظيم إذا وضع هؤلاء بين خياري «دولة أبي بكر» أو «دولة قاسم سليماني»! ولن يجازفوا بخسارة خيار أن تكون لهم مناطق حكم ذاتي أو إقليم خاص مثلما للكرد في جبالهم. كما أن توجه العبادي مرغماً إلى «الحشد الشعبي» بعدما كان يعول على المؤسسة العسكرية الرسمية سيضعه تحت رحمة الميليشيات وأجنـــدتها الخاصة المرتبطة بمصالح إيران والقوى الشيعية المتشددة في العراق. لن يكون بعد هذه الاستعانة قادراً على تسويق نفسه مختلفاً عن سلفه نوري المالكي. ولن يكون بمقدوره إقناع أهل السنة بأن اللعبة السياسية ستكون مختلفة عن السابق، وسيكون لهم دور أكثر فاعلية مما كان في العقد الأخير. والحقيقة الواضحة أن إهمال بغداد، كما دمشق، لتظلمات السنة أو القوى المعارضة في شكل أوسع، سيظل يوفر مدداً يـــــنعش «الدولة الإسلامية» ويطيل في عمرها وتالياً صمودها في وجه الحرب التي يشنها التحالف. علماً أن القليل مما تنادي به العشائر يوفر عليها السكوت على التنظيم. فلبعضها أيضاً ثارات عليه بعد المجازر التي ارتكبها في صفوف أبنائها.

في أي حال يبقى الوضع في العراق مختلفاً عنه في سورية. الجغرافيا والديموغرافيا لهما كلمة فصل، وهما واقع لا يمكن القفز فوقه. لا ينتاب إيران قلق مقيم على نفوذها في بلاد الرافدين، وإن شكل بقاء «داعش» تحدياً دائماً لهذا النفوذ واستنزافاً له ولحلفائها من القوى المحلية. هناك حدود طويلة مفتوحة بين البلدين يمكن الجمهورية الإسلامية أن تتناساها عند المنعطفات المصيرية. كما أن غالبية القوى الشيعية التي تشكل غلبة سكانية في صفوف العرب يواليها ويدعم سياستها. وهذا وضع مشابه لحال اليمن ولكن ليس لمصلحة إيران. هنا أيضاً لا يمكن تجاهل الجغرافيا والحدود الطويلة المفتوحة بين هذا البلد والسعودية. مثلما لا يمكن تجاهل الديموغرافيا حيث الغلبة لأهل السنة وليس للزيود مجتمعين فكيف لفريق منهم هو الحوثي وأعوانه؟

لذلك تشكل سورية المفصل في الصراع المذهبي. هي المعركة الحاسمة بين الجمهورية الإسلامية من جهة والعرب وتركيا من جهة أخرى. مآلات هذه المعركة سترسم فعلاً خريطة النفوذ في الإقليم وتعطي صورة واضحة عن ميزان القوى. سورية هي الجسر الباقي لإيران والذي يصلها بالمتوسط ويضعها على حدود إسرائيل مباشرة. ولسورية ثقلها في ميزان أهل الخليج خصوصاً بعد خسارة «البوابة الشرقية». وفي حسابات تركيا التي مهما كانت علاقاتها إيجابية مع إيران لا يمكن أن تسكت على هذا التوسع الإيراني في بلد ترى إليه بوابتها إلى المشرق العربي والخليج أيضاً، وثقلاً مهما في ميزان القوى الاستراتيجي في الإقليم. لذلك تشكل المكاسب التي تحققها فصائل المعارضة، أياً كانت تسمياتها، تحولاً مصيرياً في الأزمة السورية. وهي بلا شك نتيجة طبيعية لقرار تركي وخليجي عام بالتصدي المباشر للمشروع الإيراني. وانعكس التفاهم بين الرياض والدوحة وأنقرة، تفاهماً بين فصائل عدة على الأرض الـــسورية. والأهــــم أن هذا الثلاثي لم يعر اهتماماً للموقف الأميركي سواء حيال ما يجري في اليمن أو ما يجري في سورية. كانت واشنطن وعواصم غربية تحول دون دفع المعارضة السورية إلى تحقيق مكاسب كاسحة خوفاً من البديل الذي سيخلف سقوط النظام.

ما يجري الآن في سورية وصل إلى هذا المحظور. ولا يقع في باب التكتيك. إنه تطور طبيعي للأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها إدارة الرئيس أوباما ومعظم «أصدقاء سورية» طوال السنوات الأربع الماضية. وجاء التركيز على العراق وتحييد سورية إلى حد ما ليساهم في مزيد من الإضعاف للمعارضة المعتدلة لمصلحة النظام وحركات التطرف. لذلك إن البديل اليوم هو حركات جهادية في الشمال والغرب وبعض الجنوب، أو «داعش» التي تسيطر على نصف الأراضي السورية. واتسعت رقعة تواصلها مع البيئة العراقية. وربما زحفت غداً نحو القلمون الشرقي واقتربت أكثر من العاصمة، فيما شريكاتها ستتقدم نحو حلب والشريط الساحلي. لكن هذه التطورات، على خطورتها، قد لا تعجل في سقوط النظام. كما أنها قد لا تكون دافعاً لجميع الأطراف نحو تسوية سياسية في «جنيف 3» أو غيرها. فإيران لا تبدي، سواء قبل الاتفاق النووي أو بعده، أي استعداد لإعادة النظر في سياساتها أو تقديم تنازلات في أي مكان في الإقليم، خصوصاً سورية. كما أن خصومها الذين أطلقوا «عاصفة الحزم» سيواصلون المواجهة. والنتيجة الواقعية أن يستقر الصراع على تقاسم يترجم على الأرض نوعاً من التقسيم. فنظام الرئيس الأسد لا يزال يسيطر على ربع الأرض السورية. وهي المناطق التي تعنيه مباشرة. يستأثر بها فيما يتقاسم الآخرون باقي المناطق. توزع سورية «دويلات» بين قوى متناحرة سينعكس صورة مماثلة في العراق وحتى لبنان. ويعني ذلك أن زمن التسويات السياسية فات وتجاوزته الأحداث... و»الدواعش» وغيرهم «ضرورة» حتى نضج الخرائط الجديدة!

arabstoday

GMT 02:08 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

شكراً إيران

GMT 02:06 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

عودة إلى «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران!

GMT 02:03 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نيران المنطقة ومحاولة بعث التثوير

GMT 02:00 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود

GMT 01:50 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

ليبيا وتداول السلطة بين المبعوثين فقط

GMT 01:47 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأردن من أيلول الأسود لليوم

GMT 01:32 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

اكتشافات أثرية تحت المياه بالسعودية

GMT 01:20 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

«الإبادة» ليست أسمى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تقدم «داعش» ضرورة حتى تنضج خريطة الدويلات تقدم «داعش» ضرورة حتى تنضج خريطة الدويلات



GMT 15:32 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

ملك الأردن يأمر بإجراء انتخابات مجلس النواب
 العرب اليوم - ملك الأردن يأمر بإجراء انتخابات مجلس النواب

GMT 19:40 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط في شمال قطاع غزة

GMT 08:50 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

إسرائيل تقصف مواقع لحزب الله بجنوب لبنان

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

مقتل 7 أشخاص وإصابة 15 آخرين في حادث سير بالجزائر

GMT 09:16 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

حرائق في منشآت طاقة روسية بعد هجمات أوكرانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab