الأجساد الأدمية أسلحة مميتة

الأجساد الأدمية أسلحة مميتة

الأجساد الأدمية أسلحة مميتة

 العرب اليوم -

الأجساد الأدمية أسلحة مميتة

بقلم : أمير طاهري

في كل مرة ترتكب فيها جريمة بشعة باسم الإسلام في دولة غربية، تجد الحكومة ودوائر الفكر نفسها في مواجهة السؤال الحتمي: ماذا نفعل كي نوقف ذلك الطوفان المدمر؟

عادة ما تكون هناك ثلاث إجابات نمطية؛ الأولى تأتي من الجماهير التي تتبنى موقًفا سياسًيا صحيًحا، وهي تؤكد أن كل ما يحدث ليس له علاقة بالإسلام وأنه يتعين علينا التصدي لـ«الإسلاموفوبيا» باعتباره الخطر الأكبر الذي يهدد السلم والتماسك الاجتماعي.

هذا هو الموقف الذي يتبناه زعيم حزب العمل البريطاني، جيرمي كوربن، ومن حوله. الإجابة الثانية تأتي ممن يصرون على أن كل مسلم يشكل خطًرا مستقبلًيا بسبب تصميمه على ضم العالم
لجوقة الإيمان التي لا يرى سواها. الحل يكمن في منع دخول مزيد منهم لدول الغرب، وإن أمكن طرد كل من وصل إلى البلاد ودفعهم للعودة من حيث أتوا.

كان آخر من تبنى هذا الموقف نيوت غرينغريتش، الرجل المفترض أن يصبح وزيًرا للخارجية في حال فاز دونالد ترامب بمنصب الرئاسة.

الإجابة الثالثة هي إلقاء الدول الديمقراطية الغربية مسؤولية العنف على كاهل الجماعات الإسلامية، إذ إن الجدل السائد هو أن الغرب يتحمل مسؤولية الحال البائسة والمعاناة التي يعيشها وسيعيشها مسلمو العالم إلى أن تقوم الساعة. وهذا هو الموقف الذي يتبناه أشخاص مثل الخبير اللغوي نعوم تشوميسكي.

الإجابة الرابعة تدعو إلى اتخاذ إجراءات أمنية وعسكرية من شأنها أن تضع الدول الديمقراطية الغربية على شفا الحرب سواء على أراضيها أو خارجها على مدار جيل كامل على الأقل.

في الحقيقة، أرى أن كل إجابة من تلك الإجابات تنطوي على إشكالية. فالإجابة الأولى هي أن كل ما يجري ليس له علاقة بالإسلام وهو طرح فيه ثغرات، ففي الإسلام ليس لدينا آلية للعزل الديني، وليس لدينا سلطة مكلفة بإعلان ذلك. فكل من ينطق بالشهادتين يعتبر مسلًما، حتى وإن نطقها كذًبا، فالقرار لله وحده. الإجابة الثانية، وهي تحميل جميع المسلمين أوزار ما يرتكبه بعضهم، تتناقض مع مبدأ مهم من مبادئ الحضارة الغربية وهي أن السيئة لا تعم.

فرغم أنك مطالب بأن تنصر أخاك وأن تحب لجارك ما تحب لنفسك، فأنت أيًضا ملوم على تصرفات أخيك أو جارك.

في جميع الأحوال، يعيش نحو 30 مليون مسلم على الأقل في 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ونحو سبعة ملايين مسلم في الولايات المتحدة وكندا، إذن لن تكون محاولة تطويقهم أو ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية بالمهمة السهلة مثلما يعتقد اليمين الأوروبي المتشدد.

الإجابة الثالثة، وهي إلقاء اللوم على الغرب، وتحديًدا الشيطان الأميركي الأكبر، تنطوي على قدر من السذاجة وتمثل إهانة للمسلمين.

توحي الإجابة بأن المسلمين ليسوا على قدر من النضج بحيث يتحملون تبعات أخطائهم، بل ويعني أيًضا أن جمهور الناخبين ليسوا ناضجين بالقدر الكافي ليقرروا نوع السياسة الخارجية المفترض عليهم اتباعها. ولا يجعلنا ذلك نبرر طعن متطرفين إسلاميين لسياح يابانيين في بنغلاديش بالسكين حتى الموت كمثال حديث على ذلك.

الإجابة الرابعة محاطة بالغموض؛ وهي هل الدول الديمقراطية الغربية مطالبة بتحويل نفسها لدول بوليسية عن طريق التجسس على بعض مواطنيها؟ هل يتعين عليهم أن يجوبوا العالم لتفجير الأماكن ذات الصلة بالإرهاب؟

في أعقاب الهجوم الانتحاري الأخير الذي جرى بمنتجع نيس الفرنسي الذي حاكى أسلوب «داعش»، حاول رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس إيجاد بديل لتلك الإجابات. قال فالس: «سيكون هناك مزيد من الهجمات»، وهي الكلمات التي جعلت جمهور الحاضرين يطلق أصوات ازدراء، مضيًفا: «ربما علينا التعود على ذلك».

غير أن السؤال الأهم يظل هو: ماذا نفعل إزاء أناس يرحبون بالموت في سبيل قتل آخرين؟ أثير هذا السؤال للمرة الأولى عندما ظهرت جماعة «الحشاشين» الإرهابية للمرة الأولى منذ نحو ألف عام. ومؤخًرا أثير السؤال نفسه في نحو 40 دولة، الكثير منها في العالم الإسلامي، ممن ذاقوا ويلات هجمات الإسلاميين الإرهابية منذ مأساة 11 سبتمبر في الولايات المتحدة.

أول ما يتعين عليك فعله هو ألا تندهش من حقيقة غسل مخ شخص من قبل رفقائه ليستعد بعدها للموت في سبيل قتل آخرين. فالطريقة المنطقية الوحيدة للتعامل مع مثل هذا الإنسان هو أن تعتبره سلاًحا جديًدا.

فشأن جميع أنواع الأسلحة التي تذهل الناس عند رؤيتهم لها بعد إنتاجها مباشرة، فسوف يستمر هؤلاء الانتحاريون في إرهاب العالم وإصابته بالذهول إلى أن نجد «ترياًقا» مضاًدا للسم، وبالتأكيد سوف نجده. في قديم الأزل، استخدم «كورش الكبير» الجمال كسلاح عندما غزا بابل، واستخدم «جنبعل» الأفيال في هجومه على روما. وفي معركة جرت في مرحلة قبل الإسلام ضد الغازي العباسي لشبه الجزيرة العربية تدخل الطير لصالح العرب كما لو أنها نماذج مصغرة من قاذفات الهليكوبتر.

والقوس والسهم الذي شاع في حروب الإمبراطورية البارثية كانا من الأسلحة الفتاكة حين ظهرت للمرة الأولى، غير أنها أصبحت جزًءا من أي ترسانة أسلحة تقليدية.

فعند ظهور السفن الحربية، ولاحًقا الغواصات، للمرة الأولى، تمتعت تلك المعدات بميزة المفاجأة والأسبقية لبعض الوقت، ثم شاهدنا استخدام الطائرات. بعد ذلك شاهدنا القاذفات التي كانت ابتكاًرا فريًدا عند ظهورها للمرة الأولى، وهو ما حدث عند ظهور الصاروخين العابرين للقارات «في 1» و«في 2»، اللذين كانا خطوة في سبيل الوصول للطائرة من دون طيار في نهاية الحرب العالمية الثانية.

ماذا عن الأسلحة النووية؟ في عام 1945 كانت تلك الأسلحة أشبة بالمعجزة، والآن الخوف ينحصر في سقوطها في يد العصابات ممن اتخذوا هيئة الملا مثلاً.

باستخدام الأجساد الآدمية كدرع بشرية وكسلاح، خطا دعاة التطرف الإسلامي ممن يتطلعون لغزو العالم وتحويل البشر في العام لاتباع ملتهم، خطوة جديدة للأمام.

غير أنه شأن باقي الأسلحة الأخرى، فقد صمم بعض الناس هذا السلاح وسدد بعض المستثمرين التكلفة وجرى التصنيع في مكان ما، ثمُنشروا في مختلف أنحاء العالم من قبل بعض القادة ممن يمكن تحديد هويتهم وتدميرهم.

صممت هذه الأسلحة البشرية بواسطة الدعاية المستمرة المضادة للغرب والتي تتدفق عبر الفضائيات والإنترنت والمؤسسات الدينية، وعدد لا يحصى من المدارس والمساجد حول العالم، بعضها يقع في العواصم الغربية.

السبب الرئيسي لتلك التراجيديا هو الخطاب التكفيري، مما عزز الكراهية بين أتباع الديانات المختلفة وأوجد الغل بينهم. سوف تسمع عن غرق الغرب في الضلال، وكيف أن نساءهم يسرن سافرات كاشفات، وكيف أن حكوماتهم تجيز زواج المثليين سواء من الرجال أو النساء، وسوف تسمع أيًضا كيف أن الصليبيين غزوا أراضي المسلمين وكيف أنهم يحاولون فرض نظامهم الديمقراطي على الشعوب الإسلامية.

مثل هذا الطرح يجعل غالبية المسلمين إما أنهم غير مبالين وإما أنهم متضايقون، غير أنه يكفي أن تغري واحًدا في المائة فقط من مسلمي العالم بتنفيذ عمل إرهابي، أي نحو 13 مليون مسلم، لكي تجعل العالم مضطرًبا.

حصدت الاعتداءات الإرهابية أرواح الآلاف حول العالم منذ أحداث 11 سبتمبر، إلا أن الانتحاريين وحلفاءهم يتحملون مسؤولية قتل نحو نصف مليون مسلم في الجزائر ومصر وتركيا والعراق والسعودية وباكستان وغيرها خلال العقدين الماضيين.

بكلمات أخرى، كلنا نواجه عدًوا واحًدا، عدو الإنسانية كلها.

arabstoday

GMT 02:23 2024 الجمعة ,12 إبريل / نيسان

الاتحاد الأوروبي: اختبار الفصل المقبل

GMT 01:47 2024 الجمعة ,05 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل: هل انتهت لعبة الإنكار؟

GMT 01:44 2024 الجمعة ,22 آذار/ مارس

غزة: الإغارة بوصفها حرباً سياسية

GMT 02:37 2024 الجمعة ,15 آذار/ مارس

أوكرانيا والعواقب غير المقصودة

GMT 00:40 2024 الجمعة ,08 آذار/ مارس

أوروبا: الخوف من الفيل وقائده

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأجساد الأدمية أسلحة مميتة الأجساد الأدمية أسلحة مميتة



نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:07 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

سماع دوي انفجار في رفح جنوب قطاع غزة

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

شهيد في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة جنوب لبنان

GMT 16:30 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

رئيس الإمارات يستقبل سلطان عمان في أبوظبي

GMT 10:12 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

219 مستوطنا إسرائيليا يقتحمون المسجد الأقصى

GMT 18:53 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

اعتقال 3 ألمان للاشتباه في تجسسهم لصالح الصين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab