جماعات مسلّحة غامضة تصعِّد التوتُّر بين الكرد والتركمان في الطوز

أعلن مصدر أمني عراقي في محافظة صلاح الدين، أنه تم فرض حظر للتجوال في قضاء الشرقاط حتى إشعار آخر، في وقت انخفض عدد السكان الكرد في طوزخرماتو إلى بضع عشرات على خلفية التوترات الأمنية التي شهدتها المدينة منذ دخول القوات الاتحادية إليها أواسط تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بالاضافة إلى تلميحات بتورط أطراف كردية بالوقوف وراء القصف المتكرر الذي تتعرض له المدينة التركمانية.

وأوضح المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن حظر التجوال جاء بعد ورود أنباء عن وجود انتحاري في إحدى الأحياء السكنية وسط القضاء. وأعلن مصدر في الشرطة العراقية أن القوات الأمنية باشرت برفع الحواجز الكونكريتية من جسر محمد القاسم وسط العاصمة بغداد، مشيرا إلى أن الطريق سيكون مهيئا لمرور العجلات الصغيرة فقط في الساعات القليلة المقبلة.

وكانت أمانة بغداد قد أعلنت 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري عن إعادة افتتاح طريق محمد القاسم ، مبينة أن الطريق سيتم افتتاحه أمام المركبات الصغيرة فقط بعد تدعيم الجسور الخاصة بالطريق. ويتهم مسؤولون تركمان في الطوز بعض القيادات في أحزاب كردية بالتحالف مع بقايا داعش أو ما بات يطلق عليهم (الرايات البيضاء) لزعزعة الأمن هناك.

ويكشف هؤلاء المسؤولون عن وجود تنظيم كردي متطرف نشأ مؤخراً في مناطق جنوب القضاء، أغلب أعضائه من نازحي الطوز. وبالمقابل يؤكد مسؤولون كرد في محافظة صلاح الدين أن فلول تنظيم داعش وبعض الجماعات المسلحة القديمة، التي ضعف دورها بعد 10 حزيران 2014، هي من تعبث بأمن طوزخرماتو. ويطالب الكرد بغداد بأخذ تدابير حقيقية لحماية المكون الكردي في القضاء، الذي نزح معظمه الى القرى المجاورة بعد عمليات حرق طالت منازلهم ومتاجرهم.

وكانت الطوز، 170 كم شمال بغداد، قد شهدت اشتباكات مسلحة بين مسلحين تركمان وقوات البيشمركة، قبل يومين من انتشار القوات الاتحادية في كركوك ونينوى وديالى، في 16 تشرين الاول/أكتوبر الماضي، ضمن ما عرف بعملية فرض القانون. وعلى خلفية تلك الأحداث نزح أكثر من 50 ألف كردي من القضاء باتجاه القرى المحيطة. وبقي بعض العجائز وكبار السن في المدينة.

تناقص الكرد

ويؤكد ملا حسن كرمياني، العضو الكردي في مجلس محافظة صلاح الدين، أنه"لم يتبقَّ من الكرد في المدينة إلّا نحو100 شخص".

وكان كرمياني في بداية الأزمة، عن تواجد 300 كردي في المدينة أثناء ساعات النهار، لكن العدد ينخفض إلى 200 في المساء. ولفت المسؤول المحلي إلى أن"انخفاض العدد جاء، بعد التوترات الاخيرة التي تسبب بها سقوط قذائف الهاون، ووصول تعزيزات جديدة من الحشد الشعبي وقوات أخرى الى الطوز". وتسببت أعمال العنف، التي اندلعت في القضاء عقب انتشار القوات الاتحادية، الى تفجير 400 منزل وحرق ألف محل تجاري يمتلكها مواطنون كرد.

وبحسب مسؤولين كرد فإن جماعات مسلحة تركمانية هي من تدير الملف الأمني في القضاء، فيما تكتفي القوات الاتحادية بتطويق طوزخرماتو من الخارج. وبحسب الأمم المتحدة فقد فرّ 35 ألف مدني من الطوز منذ 16 تشرين الأول/أكتوبر. وكانت منظمة العفو الدولية اتهمت القوات العراقية بمهاجمة مدنيين كرد بطريقة عشوائية. وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها من افتعال حرائق وعمليات نهب في المدينة.

وقبل أيام تعرضت المدينة التركمانية الى موجة من الهجمات بقذائف الهاون، يعتقد بأنها انطلقت من الجبل المطل على الطوز، حيث تقع قرى كردية. وقال رضا محمد كوثر، رئيس اللجنة الأمنية في القضاء، إن"الهاونات سقطت على مدارس ومناطق سكنية وتسببت بمقتل 5 أشخاص بينهم 3 أطفال، وجرح نحو 50 آخرين".

وأضاف كوثر، إن"عملية الاستهداف جاءت انطلاقاً من خلف سلسلة جبال موسى علي التي تمتد لمسافة 60 كم". وتقع القرى التركمانية الى الغرب من تلك الجبال. فيما يتوقع ان تكون السلسلة الجبلية قد تحولت الى حاضنة لبقايا داعش وقوات حليفة لهم. ويؤكد كوثر، وهو قيادي تركماني، أن"بعض الجهات الكردية تحالفت مع فلول داعش الذين يطلقون على أنفسهم أصحاب الرايات البيضاء".

وكشفت خروق أمنية شهدتها مناطق جنوب كركوك، النقاب عن جماعة إرهابية تستعد لأن تكون بديلا عن تنظيم داعش. وتحدثت مصادر ميدانية عن تنظيم يحمل اسم (الرايات البيضاء) او (السفيانيين). وتتبنى الجماعة، التي تحمل راية بيضاء يتوسطها رسم أسد، أفكاراً وأساليب مشابهة لتنظيم داعش، لكنها لم تسجل عملية انتحارية باسمها حتى الآن.

ورصد مسؤولون ومراقبون التباساً في مكان وتوقيت ظهور (جماعة السفيانيين)، التي يعتقد أنها تشكلت من بقايا داعش الهاربين من الحويجة. وبرزت المجموعة في مناطق الصراع الواقعة بين بغداد وإقليم كردستان، تزامناً مع إعلان بغداد رسمياً عن هزيمة داعش.

ويؤكد رضا كوثر أن "بعض الشخصيات الكردية المعروفة ضمن الاتحاد الوطني الكردستاني تدعم تنظيماً كردياً جديداً اسمه بخوبخش أي المتطوعين باللغة العربية"، مرجحاً وجود تحالف بين هذه المجموعة مع جماعة الرايات البيضاء. وقال القيادي التركماني"لديّ مقاطع فيديو تؤكد وجود تلك الشخصيات مع التنظيم الجديد، التي هربت بعد دخول القوات الاتحادية الى القضاء قبل شهرين". ويقدر عدد أعضاء هذه الجماعة بين 400 و 500 عنصر.

وكان الاشتباك الأول الذي جرى بين (الرايات البيضاء) مع فصائل من الحشد الشعبي حدث مطلع كانون الأول/أكتوبر الجاري، في مناطق تضم نازحين من العرب السنة بالاضافة الى نازحين كرد فروا من طوزخرماتو مؤخراً.

وقتها، دفعت هذه المعطيات بعض الجهات إلى الاعتقاد بأن ما حدث في تلك القرى هو رد فعل من بعض النازحين على الاحداث التي شهدتها مدينة الطوز. ولكنّ أطرافاً كردية عزت ما حدث الى محاولات"استفزازية"ضد أهالي تلك المناطق لإفراغها من الكرد. ويقول ملا حسن كرمياني إنّ"عملية استهداف منازل ومحال الكرد تتكرر كل يوم، ويتم تفجير 3 منازل يومياً تابعة لنا".

وأكد كرمياني أنّ "الكرد هم المتضررون من الاحداث الاخيرة، نظراً إلى حجم النزوح"، لافتاً الى أن"الكرد عاشوا لسنوات طويلة مع التركمان من دون مشاكل". وشدد المسؤول المحلي على أن"بقايا داعش ومسلحين من النقشبندية هم من يقومون بضرب طوزخرماتو".

وكشفت وسائل إعلام كردية، مؤخرا، عن تتواجد 200 مسلح في منطقة (داود آوه) في أطراف قضاء طوزخورماتو، تسمى بـ(قوات التحرير). وأشارت إلى أن الهدف الأساسي لهذه القوات هو تحرير الأراضي التي انتشرت فيها القوات العراقية والحشد الشعبي.

وأكد رضا كوثر أنّ "عملية جديدة ستنطلق للقضاء على المسلحين في مناطق خلف الجبل بعد وصول تعزيزات جديدة الى الطوز". وشدد على أنّ"العمليات العسكرية لن تستهدف سكان القرى"، داعياً الأهالي الى فضح المسلحين هناك.